ذلك أنهم إذا كانوا فقراء أو ضعفاء فهم بمنزلة القليل، في أنه لا يحصل من وجودهم قوة وشوكة. فأما تكثير عددهم بعد القلة؛ فهو أن مدين بن إبراهيم تزوج رئيا بنت لوط، فولدت حتى كثر عددهم.
ثم قال بعده: * (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) * والمعنى تذكروا عاقبة المفسدين وما لحقهم من الخزي والنكال، ليصير ذلك زاجرا لكم عن العصيان والفساد، فقوله: * (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) * المقصود منه أنهم إذا تذكروا نعم الله عليهم انقادوا وأطاعوا، وقوله: * (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) * المقصود منه أنهم إذا عرفوا أن عاقبة المفسدين المتمردين ليست إلا الخزي والنكال، احترزوا عن الفساد والعصيان وأطاعوا، فكان المقصود من هذين الكلامين حملهم على الطاعة بطريق الترغيب أولا والترهيب ثانيا.
ثم قال: * (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا) * والمقصود منه تسلية قلوب المؤمنين وزجر من لم يؤمن، لأن قوله: * (فاصبروا) * تهديد، وكذلك قوله: * (حتى يحكم الله بيننا) * والمراد إعلاء درجات المؤمنين، وإظهار هوان الكافرين، وهذه الحالة قد تظهر في الدنيا فإن لم تظهر في الدنيا فلا بد من ظهورها في الآخرة.
ثم قال: * (وهو خير الحاكمين) * يعني أنه حاكم منزه عن الجور والميل والحيف، فلا بد وأن يخص المؤمن التقي بالدرجات العالية، والكافر الشقي بأنواع العقوبات، ونظيره قوله: * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) * (ص: 28).
* (قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنآ أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنآ أن نعود فيهآ إلا أن يشآء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا فتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) *.