الوجه الأول: أنه تعالى لما بين أنه أمر آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض، وجعل الأرض لهما مستقرا بين بعده أنه تعالى أنزل كل ما يحتاجون إليه في الدين والدنيا، ومن جملتها اللباس الذي يحتاج إليه في الدين والدنيا.
الوجه الثاني: أنه تعالى لما ذكر واقعة آدم في انكشاف العورة أنه كان يخصف الورق عليها، أتبعه بأن بين أنه خلق اللباس للخلق ليستروا بها عورتهم، ونبه به على المنة العظيمة على الخلق بسبب أنه أقدرهم على التستر.
فإن قيل: ما معنى إنزال اللباس؟
قلنا: إنه تعالى أنزل المطر، وبالمطر تتكون الأشياء التي منها يحصل اللباس، فصار كأنه تعالى أنزل اللباس، وتحقيق القول أن الأشياء التي تحدث في الأرض لما كانت معلقة بالأمور النازلة من السماء صار كأنه تعالى أنزلها من السماء. ومنه قوله تعالى: * (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) * (الزمر: 6) وقوله: * (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) * (الحديد: 25) وأما قوله: * (وريشا) * ففيه بحثان:
البحث الأول: الريش لباس الزينة، استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته، أي أنزلنا عليكم لباسين: لباسا يواري سوآتكم، ولباسا يزينكم، لأن الزينة غرض صحيح كما قال: * (لتركبوها وزينة) * (النحل: 8) وقال: * (ولكم فيها جمال) * (النحل: 6).
البحث الثاني: روي عن عاصم رواية غير مشهورة * (ورياشا) * وهو مروي أيضا عن عثمان رضي الله عنه، والباقون * (وريشا) * واختلفوا في الفرق بين الريش والرياش فقيل: رياش جمع ريش، وكذياب وذيب، وقداح وقدح، وشعاب وشعب، وقيل: هما واحد، كلباس ولبس وجلال وجل، روى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: كل شيء يعيش به الإنسان من متاع أو مال أو مأكول فهو ريش ورياش، وقال ابن السكيت: الرياش مختص بالثياب والأثاث، والريش قد يطلق على سائر الأموال وقوله تعالى: * (ولباس التقوى) * فيه بحثان:
البحث الأول: قرأ نافع وابن عامر والكسائي * (ولباس) * بالنصب عطفا على قوله: * (لباسا) * والعامل فيه أنزلنا وعلى هذا التقدير فقوله: * (ذلك) * مبتدأ وقوله: * (خير) * خبره والباقون بالرفع وعلى هذا التقدير فقوله: * (ولباس التقوى) * مبتدأ وقوله: * (ذلك) * صفة أو بدل أو عطف بيان وقوله خير خبر لقوله: * (ولباس التقوى) * ومعنى قولنا صفة أن قوله: * (ذلك) * أشير به إلى اللباس كأنه قيل ولباس التقوى المشار إليه خير.
البحث الثاني: اختلفوا في تفسير قوله: * (ولباس التقوى) * والضابط فيه أن منهم من حمله على