فإن قيل: قوله: * (وإنكم لمن المقربين) * معطوف، وما المعطوف عليه؟
وجوابه: أنه معطوف على محذوف، سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال إيجابا لقولهم: إن لنا لأجرا، نعم إن لكم لأجرا، وإنكم لمن المقربين. أراد أني لا اقتصر بكم على الثواب، بل أزيدكم عليه، وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين عندي. قال المتكلمون: وهذا يدل على أن الثواب إنما يعظم موقعه إذا كان مقرونا بالتعظيم، والدليل عليه أن فرعون لما وعدهم بالأجر قرن به ما يدل على التعظيم، وهو حصول القربة.
المسألة الثالثة: الآية تدل على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبدا ذليلا مهينا عاجزا، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليه السلام، وتدل أيضا على أن السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان، وإلا لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون، لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان، فلم لم يقبلوا التراب ذهبا، ولم لم ينقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولم لم يجعلوا أنفسهم ملوك العالم ورؤساء الدنيا، والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق، وأن لا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب. والله أعلم.
* (قالوا يا موسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون نحن الملقين * قال ألقوا فلمآ ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجآءو بسحر عظيم * وأوحينآ إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف ما يأفكون * فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الفراء والكسائي: في باب " أما. وإما " إذا كنت آمرا أو ناهيا أو مخبرا فهي مفتوحة. وإذا كانت مشترطا أو شاكا أو مخيرا فهي مكسورة. تقول في المفتوحة أما الله فاعبدوه. وأما الخمر فلا تشربوها. وأما زيد فقد خرج.