المسألة الرابعة: ظاهر الآية يدل على أنه تعالى استثنى إبليس من الملائكة، فوجب كونه منهم وقد استقصينا أيضا هذه المسألة في سورة البقرة، وكان الحسن يقول: إبليس لم يكن من الملائكة لأنه خلق من نار والملائكة من نور، والملائكة لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ولا يعصون، وليس كذلك إبليس، فقد عصى واستكبر، والملائكة ليسوا من الجن، وإبليس من الجن، والملائكة رسل الله، وإبليس ليس كذلك، وإبليس أول خليقة الجن وأبوهم، كما أن آدم صلى الله عليه وسلم أول خليقة الإنس وأبوهم. قال الحسن: ولما كان إبليس مأمورا مع الملائكة استثناه الله تعالى، وكان اسم إبليس شيئا آخر، فلما عصى الله تعالى سماه بذلك وكان مؤمنا عابدا في السماء حتى عصى ربه فأهبط إلى الأرض.
* (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) *.
قوله سبحانه وتعالى: * (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود. فإن ذلك الأمر قد تناول إبليس، وظاهر هذا يدل على أن إبليس كان من الملائكة، إلا أن الدلائل التي ذكرناها تدل على أن الأمر ليس كذلك. وأما الاستثناء فقد أجبنا عنه في سورة البقرة.
المسألة الثانية: ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى، طلب من إبليس ما منعه من ترك السجود، وليس الأمر كذلك. فإن المقصود طلب ما منعه من السجود، ولهذا الإشكال حصل في الآية قولان:
القول الأول: وهو المشهور أن كلمة * (لا) * صلة زائدة، والتقدير: ما منعك أن تسجد؟! وله نظائر في القرآن كقوله: * (لا أقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1) معناه: أقسم. وقوله: * (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) * (الحديد: 29) أي يرجعون. وقوله: * (لئلا يعلم أهل الكتاب) * أي ليعلم أهل الكتاب. وهذا قول الكسائي، والفراء، والزجاج، والأكثرين.
والقول الثاني: أن كلمة * (لا) * ههنا مفيدة وليست لغوا وهذا هو الصحيح، لأن الحكم