الإقدام على ذلك الفعل كحاله إذا لم يوجد هذا التذكير والتحسين والتزيين. والعلم به ضروري، وأما قول أبي هاشم فضعيف أيضا لأنه إذا صار حصول هذا التذكير والتزيين حاصلا للمرء على الإقدام على ذلك القبيح كان ذلك سعيا في إلقائه في المفسدة، وما ذكره من خلق الزيادة في الشهوة، فهو حجة أخرى لنا في أن الله تعالى لا يراعي المصلحة، فكيف يمكنه أن يحتج به؟ والذي يقرره غاية التقرير: أن لسبب حصول تلك الزيادة في الشهوة يقع في الكفر وعقاب الأبد، ولو احترز عن تلك الشهوة فغايته أنه يزداد ثوابه من الله تعالى بسبب زيادة تلك المشقة وحصول هذه الزيادة من الثواب شيء لا حاجة إليه البتة، إما دفع العقاب المؤبد فإليه أعظم الحاجات، فلو كان إله العالم مراعيا لمصالح العباد لاستحال أن يهمل الأهم الأكمل الأعظم لطلب الزيادة التي لا حاجة إليها ولا ضرورة، فثبت فساد هذه المذاهب وأنه لا يجب على الله تعالى شيء أصلا. والله أعلم بالصواب.
أما قوله تعالى: * (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في ذكر هذه الجهات الأربع قولان:
القول الأول: أن كل واحد منها مختص بنوع من الآفة في الدين. والقائلون بهذا القول ذكروا وجوها: أحدها: * (ثم لآتينهم من بين أيديهم) * يعني أشككهم في صحة البعث والقيامة * (ومن خلفهم) * ألقى إليهم أن الدنيا قديمة أزلية. وثانيها: * (ثم لآتينهم من بين أيديهم) * والمعنى أفترهم عن الرغبة في سعادات الآخرة * (ومن خلفهم) * يعني أقوى رغبتهم في لذات الدنيا وطيباتها وأحسنها في أعينهم، وعلى هذين الوجهين فالمراد من قوله: * (بين أيديهم) * الآخرة لأنهم يردون عليها ويصلون إليها، فهي بين أيديهم، وإذا كانت الآخرة بين أيديهم كانت الدنيا خلفهم لأنهم يخلفونها. وثالثها: وهو قول الحاكم والسدي * (من بين أيديهم) * يعني الدنيا * (ومن خلفهم) * الآخرة، وإنما فسرنا * (بين أيديهم) * بالدنيا، لأنها بين يدي الإنسان يسعى فيها ويشاهدها، وأما الآخرة فهي تأتي بعد ذلك. ورابعها: * (من بين أيديهم) * في تكذيب الأنبياء والرسل الذين يكونون حاضرين * (ومن خلفهم) * في تكذيب من تقدم من الأنبياء والرسل.
وأما قوله: * (وعن أيمانهم وعن شمائلهم) * ففيه وجوه: أحدها: * (عن أيمانهم) * في الكفر والبدعة * (وعن شمائلهم) * في أنواع المعاصي. وثانيها: * (عن أيمانهم) * في الصرف عن الحق * (وعن شمائلهم) * في الترغيب في الباطل. وثالثها: * (عن أيمانهم) * يعني أفترهم عن الحسنات * (وعن شمائلهم) * أقوى دواعيهم في السيئات. قال ابن الأنباري: وقول من قال، الإيمان كناية عن الحسنات