قول باطل على كل الاعتبارات.
الحجة السادسة عشرة: وهي حجة استقرائية اعتبارية لطيفة جدا، وهي أنا رأينا أن الشيء كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقوى وأثبت، كانت القوة الفاعلية فيه أضعف وأنقص، وكلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقل وأضعف، كان حصول القوة الفاعلية أقوى وأكمل، وتقريره أن نقول وجدنا الأرض أكثف الأجسام وأقواها حجمية، فلا جرم لم يحصل فيها إلا خاصة قبول الأثر فقط، فأما أن يكون للأرض الخالصة تأثير في غيره فقليل جدا. وأما الماء فهو أقل كثافة وحجمية من الأرض، فلا جرم حصلت فيه قوة مؤثرة، فإن الماء الجاري بطبعه إذا اختلط بالأرض أثر فيها أنواعا من التأثيرات. وأما الهواء، فإنه أقل حجمية وكثافة من الماء، فلا جرم كان أقوى على التأثير من الماء، فلذلك قال بعضهم أن الحياة لا تكمل إلا بالنفس، وزعموا أنه لا معنى للروح إلا الهواء المستنشق. وأما النار، فإنها أقل كثافة من الهواء، فلا جرم كانت أقوى الأجسام العنصرية على التأثير فبقوة الحرارة يحصل الطبخ والنضج، وتكون المواليد الثلاثة أعني المعادن والنبات والحيوان. وأما الأفلاك، فإنها ألطف من الأجرام العنصرية، فلا جرم كانت هي المستولية على مزاج الأجرام العنصرية بعضها البعض، وتوليد الأنواع والأصناف المختلفة من تلك التمزيجات، فهذا الاستقراء المطرد يدل على أن الشيء كلما كان أكثر حجمية وجرمية وجسمية كان أقل قوة وتأثيرا وكلما كان أقوى قوة وتأثيرا كان أقل حجمية وجرمية وجسمية، وإذا كان الأمر كذلك أفاد هذا الاستقراء ظنا قويا أنه حيث حصل كمال القوة والقدرة على الإحداث والإبداع لم يحصل هناك البتة معنى الحجمية والجرمية والاختصاص بالحيز والجهة، وهذا وإن كان بحثا استقرائيا إلا أنه عند التأمل التام شديد المناسبة للقطع بكونه تعالى منزها عن الجسمية والموضع والحيز. وبالله التوفيق. فهذه جملة الوجوه العقلية في بيان كونه تعالى منزها عن الاختصاص بالحيز والجهة.
أما الدلائل السمعية فكثيرة: أولها: قوله تعالى: * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) فوصفه بكونه أحدا والأحد مبالغة في كونه واحدا. والذي يمتلئ منه العرش ويفضل عن العرش يكون مركبا من أجزاء كثيرة جدا فوق أجزاء العرش، وذلك ينافي كونه أحدا ورأيت جماعة من الكرامية عند هذا الإلزام يقولون أنه تعالى ذات واحدة، ومع كونها واحدة حصلت في كل هذه الأحياز دفعة واحدة. قالوا: فلأجل أنه حصل دفعة واحدة في جميع الأحياز امتلأ العرش منه. فقلت حاصل هذا الكلام يرجع إلى أنه يجوز حصول الذات الشاغلة للحيز والجهة في أحياز كثيرة دفعة واحدة