فظاهر، وأما عند الخصوم فلأنهم ينكرون كون غير الله تعالى أعظم من الله تعالى، فثبت أن هذا المذهب باطل.
البرهان التاسع: لو كان الإله تعالى حاصلا في الحيز والجهة لكان إما أن يكون متناهيا من كل الجوانب. وإما أن لا يكون كذلك والقسمان باطلان، فالقول بكونه حاصلا في الحيز والجهة باطل أيضا. أما بيان أنه لا يجوز أن يكون متناهيا من كل الجهات، فلأن على هذا التقدير يحصل فوقه أحياز خالية، وهو تعالى قادر على خلق الجسم في ذلك الحيز الخالي، وعلى هذا التقدير لو خلق هناك عالما آخر لحصل هو تعالى تحت العالم وذلك عند الخصم محال وأيضا فقد كان يمكن أن يخلق من الجوانب الستة لتلك الذات أجساما أخرى، وعلى هذا التقدير فتحصل ذاته في وسط تلك الأجسام محصورة فيها ويحصل بينه وبين الأجسام الاجتماع تارة والافتراق أخرى، وكل ذلك على الله تعالى محال.
وأما القسم الثاني: وهو أن يكون غير متناه من بعض الجهات فهذا أيضا محال، لأنه ثبت بالبرهان أنه يمتنع وجود بعد لا نهاية له، وأيضا فعلى هذا التقدير لا يمكن إقامة الدلالة على أن العالم متناه لأن كل دليل يذكر في تناهي الأبعاد، فإن ذلك الدليل ينتقض بذات الله تعالى فإنه على مذهب الخصم بعد لا نهاية له، وهو وإن كان لا يرضى بهذا اللفظ إلا أنه يساعد على المعنى، والمباحث العقلية مبنية على المعاني، لا على المشاحة في الألفاظ.
البرهان العاشر: لو كان الإله تعالى حاصلا في الحيز والجهة لكان كونه تعالى هناك. إما أن يمنع من حصول جسم آخر هناك أو لا يمنع، والقسمان باطلان فبطل القول بكونه حاصلا في الحيز.
أما فساد القسم الأول: فلأنه لما كان كونه هناك مانعا من حصول جسم آخر هناك. كان هو تعالى مساويا لسائر الأجسام في كونه حجما متحيزا ممتدا في الحيز والجهة مانعا من حصول غيره في الحيز الذي هو فيه، وإذا ثبت حصول المساواة في ذلك المفهوم بينه وبين سائر الأجسام فإما أن يحصل بينه وبينها مخالفة من سائر الوجوه أو لا يحصل، والأول باطل لوجهين: الأول: أنه إذا حصلت المشاركة بين ذاته تعالى وبين ذوات الأجسام من بعض الوجوه، والمخالفة من سائر الوجوه كان ما به المشاركة مغايرا لما به المخالفة، وحينئذ تكون ذات الباري تعالى مركبة من هذين الاعتبارين، وقد دللنا على أن كل مركب ممكن فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته هذا خلف. والثاني: وهو أن ما به المشاركة وهو طبيعة البعد والامتداد. إما أن يكون محلا لما به المخالفة. وإما أن يكون حالا فيه. وإما أن يقال: إنه لا محل له ولا حالا فيه. أما الأول: وهو أن يكون محلا لما به