أو أمن أهل لقرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا لقوم الخاسرون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى إن الذين عصوا وتمردوا أخذهم الله بغتة، بين في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات فقال: * (ولو أن أهل القرى آمنوا) * أي آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر * (واتقوا) * ما نهى الله عنه وحرمه * (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) * بركات السماء بالمطر، وبركات الأرض بالنبات والثمار، وكثرة المواشي والأنعام، وحصول الأمن والسلامة، وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم، ومنها يحصل جميع المنافع والخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره. وقوله: * (ولكن كذبوا) * يعني الرسل * (فأخذناهم) * بالجدوبة والقحط * (بما كانوا يكسبون) * من الكفر والمعصية.
ثم إنه تعالى أعاد التهديد بعذاب الاستئصال فقال: * (أفأمن أهل القرى) * وهو استفهام بمعنى الإنكار عليهم، والمقصود أنه تعالى خوفهم بنزول ذلك العذاب عليهم في الوقت الذي يكونون فيه في غاية الغفلة، وهو حال النوم بالليل، وحال الضحى بالنهار؛ لأنه الوقت الذي يغلب على المرء التشاغل باللذات فيه. وقوله: * (وهم يلعبون) * يحتمل التشاغل بأمور الدنيا، فهي لعب ولهو، ويحتمل خوضهم في كفرهم، لأن ذلك كاللعب في أنه لا يضر ولا ينفع. قرأ أكثر القراء * (أو أمن) * بفتح الواو، وهو حرف العطف دخلت عليه همزة الاستفهام، كما دخل في قوله: * (أثم إذا ما وقع) * (يونس: 51) وقوله: * (أو كلما عاهدوا) * (البقرة: 100) وهذه القراءة أشبه بما قبله وبعده، لأن قبله * (أفأمن أهل القرى) * وما بعده * (أفأمنوا مكر الله) * (الأعراف: 99) * (أو لم يهد للذين يرثون الأرض) * (الأعراف: 100) وقرأ ابن عامر * (أو أمن) * ساكنة الواو، واستعمل على ضربين: أحدهما: أن تكون بمعنى أحد الشيئين، كقوله: زيد أو عمرو جاء، والمعنى أحدهما جاء.
والضرب الثاني: أن تكون للاضراب عما قبلها، كقولك: أنا أخرج أو أقيم، أضربت عن الخروج، وأثبت الإقامة، كأنك قلت: لا بل أقيم. فوجه هذه القراءة أنه جعل " أو " للاضراب لا على أنه أبطل الأول، وهو * (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون) * (السجدة: 1، 2) فكان