الذنوب فيه، وإن حملنا الفاحشة على الزنا، والإثم على الخمر.
قلنا: الجنايات محصورة في خمسة أنواع: أحدها: الجنايات على الأنساب، وهي إنما تحصل بالزنا، وهي المراد بقوله: * (إنما حرم ربي الفواحش) * وثانيها: الجنايات على العقول، وهي شرب الخمر، وإليها الإشارة بقوله: * (الإثم) * وثالثها: الجنايات على الأعراض. ورابعها: الجنايات على النفوس وعلى الأموال، وإليهما الإشارة بقوله: * (والبغي بغير الحق) * وخامسها: الجنايات على الأديان وهي من وجهين: أحدها: الطعن في توحيد الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله: * (وأن تشركوا بالله) * وثانيها: القول في دين الله من غير معرفة، وإليه الإشارة بقوله: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * فلما كانت أصول الجنايات هي هذه الأشياء، وكانت البواقي كالفروع والتوابع، لا جرم جعل تعالى ذكرها جاريا مجرى ذكر الكل، فأدخل فيها كلمة " إنما " المفيدة للحصر.
السؤال الثاني: الفاحشة والإثم هو الذي نهى الله عنه، فصار تقدير الآية: إنما حرم ربي المحرمات، وهو كلام خال عن الفائدة. والجواب كون الفعل فاحشة هو عبارة عن اشتماله في ذاته على أمور باعتبارها يجب النهي عنه، وعلى هذا التقدير: فيسقط السؤال، والله أعلم.
* (ولكل أمة أجل فإذا جآء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى لما بين الحلال والحرام وأحوال التكليف، بين أن لكل أحد أجلا معينا لا يتقدم ولا يتأخر، وإذا جاء ذلك الأجل مات لا محالة، والغرض منه التخويف ليتشدد المرء في القيام بالتكاليف كما ينبغي.
المسألة الثانية: اعلم أن الأجل، هو الوقت الموقت المضروب لانقضاء المهلة، وفي هذه الآية قولان:
القول الأول: وهو قول ابن عباس، والحسن ومقاتل أن المعنى أن الله تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين، وهو تعالى لا يعذبهم إلى أن ينظروا ذلك الوقت الذي يصيرون فيه مستحقين لعذاب الاستئصال، فإذا جاء ذلك الوقت نزل ذلك العذاب لا محالة.
والقول الثاني: أن المراد بهذا الأجل العمر، فإذا انقطع ذلك الأجل وكمل امتنع وقوع التقديم والتأخير فيه، والقول الأول: أولى، لأنه تعالى قال: * (ولكل أمة) * ولم يقل ولكل أحد أجل