لكنآ أهدى منهم فقد جآءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزى الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) *.
اعلم أن قوله: * (وهذا كتاب) * لا شك أن المراد هو القرآن وفائدة وصفه بأنه مبارك أنه ثابت لا يتطرق إليه النسخ كما في الكتابين، أو المراد أنه كثير الخير والنفع.
ثم قال: * (فاتبعوه) * والمراد ظاهر.
ثم قال: * (واتقوا لعلكم ترحمون) * أي لكي ترحموا. وفيه ثلاثة أقوال: قيل اتقوا مخالفته على رجاء الرحمة، وقيل: اتقوا لترحموا، أي ليكون الغرض بالتقوى رحمة الله، وقيل: اتقوا لترحموا جزاء على التقوى.
ثم قال تعالى: * (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) * وفيه وجوه:
الوجه الأول: قال الكسائي والفراء، والتقدير: أنزلناه لئلا تقولوا، ثم حذف الجار وحرف النفي، كقوله: * (يبين الله لكم أن تضلوا) * (النساء: 176) وقوله: * (رواسي أن تميد بكم) * (النحل: 15) أي لئلا.
والوجه الثاني: وهو قول البصريين معناه: أنزلناه كراهة أن تقولوا ولا يجيزون إضمار " لا " فإنه لا يجوز أن يقال: جئت أن أكرمك بمعنى: أن لا أكرمك، وقد ذكرنا تحقيق هذه المسألة في آخر سورة النساء.
والوجه الثالث: قال الفراء: يجوز أن يكون " إن " متعلقة باتقوا، والتأويل: واتقوا أن تقولوا إنما أنزل الكتاب.
البحث الثاني: قوله: * (أن تقولوا) * خطاب لأهل مكة، والمعنى: كراهة أن يقول أهل مكة أنزل الكتاب، وهو التوراة والإنجيل على طائفتين من قبلنا، وهم اليهود والنصارى، وإن كنا " إن " هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والأصل وأنه كنا عن دراستهم لغافلين، والمراد بهذه الآيات إثبات الحجة عليهم بإنزال القرآن على محمد كي لا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما، فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم وقوله: * (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) * أي لا نعلم ما هي، لأن كتابهم ما كان بلغتنا، ومعنى أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم، مفسر للأول في أن معناه لئلا يقولوا ويحتجوا بذلك، ثم بين تعالى قطع احتجاجهم بهذا، وقال: * (فقد جاءكم بينة من ربكم) * وهو القرآن وما جاء به الرسول * (وهدى ورحمة) *.
فإن قيل: البينة والهدى واحد، فما الفائدة في التكرير؟