البقرة: * (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات) * (البقرة: 29) أي سواهن على وفق مصالح هذا العالم، وهو بكل شيء عليم، أي هو عالم بجميع المعلومات. فيعلم أنه كيف ينبغي ترتيبها وتسويتها حتى تحصل مصالح هذا العالم، فهذا أيضا نوع عجيب في تسخير الله تعالى هذه الأفلاك والكواكب، فتكون داخلة تحت قوله: * (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) * وربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال إنك أكثرت في تفسير كتاب الله من علم الهيئة والنجوم، وذلك على خلاف المعتاد! فيقال لهذا المسكين: إنك لو تأملت في كتاب الله حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته، وتقريره من وجوه: الأول: أن الله تعالى ملأ كتابه من الاستدلال على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السماوات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وكيفية أحوال الضياء والظلام، وأحوال الشمس والقمر والنجوم، وذكر هذه الأمور في أكثر السور وكررها وأعادها مرة بعد أخرى، فلو لم يكن البحث عنها، والتأمل في أحوالها جائزا لما ملأ الله كتابه منها. والثاني: أنه تعالى قال: * (أولم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) * (ق: 6) فهو تعالى حث على التأمل في أنه كيف بناها ولا معنى لعلم الهيئة إلا التأمل في أنه كيف بناها وكيف خلق كل واحد منها. والثالث: أنه تعالى قال: * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (غافر: 57) فبين أن عجائب الخلقة وبدائع الفطرة في أجرام السماوات أكثر وأعظم وأكمل مما في أبدان الناس، ثم أنه تعالى رغب في التأمل في أبدان الناس بقوله: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * (الذاريات: 21) فما كان أعلى شأنا وأعظم برهانا منها أولى بأن يجب التأمل في أحوالها ومعرفة ما أودع الله فيها من العجائب والغرائب. والرابع: أنه تعالى مدح المتفكرين في خلق السماوات والأرض فقال: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) ولو كان ذلك ممنوعا منه لما فعل. والخامس: أن من صنف كتابا شريفا مشتملا على دقائق العلوم العقلية والنقلية بحيث لا يساويه كتاب في تلك الدقائق، فالمعتقدون في شرفه وفضيلته فريقان: منهم من يعتقد كونه كذلك على سبيل الجملة من غير أن يقف على ما فيه من الدقائق واللطائف على سبيل التفصيل والتعيين، ومنهم من وقف على تلك الدقائق على سبيل التفصيل والتعيين، واعتقاد الطائفة الأولى وإن بلغ إلى أقصى الدرجات في القوة والكمال إلا أن اعتقاد الطائفة الثانية يكون أكمل وأقوى وأوفى. وأيضا فكل من كان وقوفه على دقائق ذلك الكتاب ولطائفه أكثر كان اعتقاده في عظمة ذلك المصنف وجلالته أكمل.
إذا ثبت هذا فنقول: من الناس من اعتقد أن جملة هذا العالم محدث وكل محدث فله محدث،