ثم قال بعده: * (ألا له الخلق والأمر) * وهو إشارة إلى أن كل ما سوى الله تعالى أما من عالم الخالق أو من عالم الأمر، أما الذي هو من عالم الخلق، فالخلق عبارة عن التقدير، وكل ما كان جسما أو جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين، فكان من عالم الخلق، وكل ما كان بريئا عن الحجمية والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الأمر، فدل على أنه سبحانه خص كل واحد من أجرام الأفلاك والكواكب التي هي من عالم الخلق بملك من الملائكة، وهم من عالم الأمر والأحاديث الصحيحة مطابقة لذلك، وهي ما روي في الأخبار أن لله ملائكة يحركون الشمس والقمر عند الطلوع وعند الغروب، وكذا القول في سائر الكواكب، وأيضا قوله سبحانه: * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * (الحاقة: 17) إشارة إلى أن الملائكة الذين يقومون بحفظ العرش ثمانية، ثم إذا دققت النظر علمت أن عالم الخلق في تسخير الله وعالم الأمر في تدبير الله واستيلاء الروحانيات على الجسمانيات بتقدير الله فلهذا المعنى قال: * (ألا له الخلق والأمر) *. ثم قال بعده: * (تبارك الله رب العالمين) * والبركة لها تفسيران: أحدهما: البقاء والثبات والثاني: كثرة الآثار الفاضلة والنتائج الشريفة وكلا التفسيرين لا يليق إلا بالحق سبحانه، فإن حملته على الثبات والدوام، فالثابت والدائم هو الله تعالى لأنه الموجود الواجب لذاته العالم لذاته القائم بذاته الغني في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه عن كل ما سواه، فهو سبحانه مقطع الحاجات ومنهى الافتقارات وهو غني عن كل ما سواه في جميع الأمور وأيضا إن فسرنا البركة بكثرة الآثار الفاضلة فالكل بهذا التفسير من الله تعالى، لأن الموجود إما واجب لذاته وإما ممكن لذاته والواجب لذاته ليس إلا هو، وكل ما سواه ممكن، وكل ممكن فلا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته وكل الخيرات منه وكل الكمالات فائضة من وجوده وإحسانه، فلا خير إلا منه ولا إحسان إلا من فيضه، ولا رحمة إلا وهي حاصلة منه، فلما كان الخلق والأمر ليس إلا منه، لا جرم كان الثناء المذكور بقوله: * (فتبارك الله رب العالمين) * (غافر: 64) لا يليق إلا بكبريائه وكمال فضله ونهاية جوده ورحمته.
المسألة الثالثة: كون الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره سبحانه يحتمل وجوها: أحدها: أنا قد دللنا في هذا الكتاب العالي الدرجة أن الأجسام متماثلة ومتى كان كذلك، كان اختصاص جسم الشمس بذلك النور المخصوص والضوء الباهر والتسخير الشديد والتأثير القاهر والتدبيرات العجيبة في العالم العلوي والسفلي، لا بد وأن يكون لأجل أن الفاعل الحكيم والمقدر العليم خص ذلك الجسم بهذه الصفات وهذه الأحوال، فجسم كل واحد من الكواكب والنيرات كالمسخر في قبول تلك القوى والخواص، عن قدرة المدبر الحكيم، الرحيم العليم. وثانيها: أن يقال