والمراد أنه تعالى يحث أصحاب الأعراف بالدخول في الجنة، واللحوق بالمنزلة التي أعدها الله تعالى لهم، وعلى هذا التقدير فقوله: * (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) * من كلام أصحاب الأعراف. وقوله: * (ادخلوا الجنة) * من كلام الله تعالى، ولا بد ههنا من إضمار، والتقدير: فقال الله لهم هذا كما قال: * (يريد أن يخرجكم من أرضكم) * (الأعراف: 110) وانقطع ههنا كلام الملأ. ثم قال فرعون: * (فماذا تأمرون) * (الأعراف: 110) فاتصل كلامه بكلامهم من غير إظهار فارق، فكذا ههنا.
* (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من المآء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحيوة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقآء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين ما يقوله أصحاب الأعراف لأهل النار، أتبعه بذكر ما يقوله أهل النار لأهل الجنة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة. طمع أهل النار بفرج بعد اليأس. فقالوا: يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر الله الجنة فتزحزحت، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، وقد اسودت وجوههم وصاروا خلقا آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا: * (أفيضوا علينا من الماء) * وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب بسبب شدة حر جهنم. وقوله: * (أفيضوا) * كالدلالة على أن أهل الجنة أعلى مكانا من أهل النار.
فإن قيل: اسألوا مع الرجاء، والجواز، ومع اليأس؟
قلنا: ما حكيناه عن ابن عباس يدل على أنهم طلبوا الماء مع جواز الحصول. وقال القاضي: بل مع اليأس، لأنهم قد عرفوا دوام عقابهم وأنه لا يفتر عنهم، ولكن الآيس من الشيء قد يطلبه كما