المخالفة، فعلى هذا التقدير طبيعة البعد والامتداد هي الجوهر القائم بنفسه، والأمور التي حصلت بها المخالفة أعراض وصفات، وإذا كانت الذوات متساوية في تمام الماهية فكل ما صح على بعضها وجب أن يصح على البواقي، فعلى هذا التقدير كل ما صح على جميع الأجسام، وجب أن يصح على الباري تعالى وبالعكس، ويلزم منه صحة التفرق والتمزق والنمو والذبول والعفونة والفساد على ذات الله تعالى وكل ذلك محال.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال: ما به المخالفة محل وذات، وما به المشاركة حال وصفة فهذا محال، لأن على هذا التقدير تكون طبيعة البعد والامتداد صفة قائمة بمحل، وذلك المحل إن كان له أيضا اختصاص بحيز وجهة، وجب افتقاره إلى محل آخر لا إلى نهاية، وإن لم يكن كذلك فحينئذ يكون موجودا مجردا لا تعلق له بالحيز والجهة والإشارة الحسية البتة، وطبيعة البعد والامتداد واجبة الاختصاص بالحيز والجهة والإشارة الحسية، وحلول ما هذا شأنه في ذلك المحل يوجب الجمع بين النقيضين وهو محال.
وأما القسم الثالث: وهو أن لا يكون أحدهما حالا في الآخر ولا محلا له. فنقول: فعلى هذا التقدير يكون كل واحد منهما متباينا عن الآخر، وعلى هذا التقدير فتكون ذات الله تعالى مساوية لسائر الذوات الجسمانية في تمام الماهية، لأن ما به المخالفة بين ذاته وبين سائر الذوات ليست حالة في هذه الذوات، ولا محالا لها بل أمور أجنبية عنها فتكون ذات الله تعالى مساوية لذوات الأجسام في تمام الماهية، وحينئذ يعود الإلزام المذكور، فثبت أن القول: بأن ذات الله تعالى مختصة بالحيز والجهة بحيث يمنع من حصول جسم آخر في ذلك الحيز يفضي إلى هذه الأقسام الثلاثة الباطلة فوجب كونه باطلا.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال: إن ذات الله تعالى وإن كانت مختصة بالحيز والجهة، إلا أنه لا يمنع من حصول جسم آخر في ذلك الحيز والجهة، فهذا أيضا محال لأنه يوجب كون ذاته مخالطة سارية في ذات ذلك الجسم الذي يحصل في ذلك الجنب والحيز وذلك بالإجماع محال، ولأنه لو عقل ذلك فلم لا يعقل حصول الأجسام الكثيرة في الحيز الواحد؟ فثبت أنه تعالى لو كان حاصلا في حيز لكان. إما أن يمنع حصول جسم آخر في ذلك الحيز أو لا يمنع، وثبت فساد القسمين، فكان القول بحصوله تعالى في الحيز والجهة محالا باطلا.
البرهان الحادي عشر: على أنه يمتنع حصول ذات الله تعالى في الحيز والجهة هو أن نقول: لو كان مختصا بحيز وجهة لكان. إما أن يكون بحيث يمكنه أن يتحرك عن تلك الجهة أو لا يمكنه