المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي بكل سحار، والباقون بكل ساحر، فمن قرأ سحار فحجته أنه قد وصف بعليم، ووصفه به يدل على تناهيه فيه وحذقه به، فحسن لذلك أن يذكر بالاسم الدال على المبالغة في السحر، ومن قرأ ساحر فحجته قوله: * (وألقى السحرة) * (الأعراف: 120) * (ولعنا نتبع السحرة) * (الشعراء: 40) والسحرة جمع ساحر مثل كتبه وكاتب وفجرة وفاجر. واحتجوا أيضا بقوله: * (سحروا أعين الناس) * (الأعراف: 116) واسم الفاعل من سحروا ساحر.
المسألة الثانية: الباء في قوله: * (بكل ساحر) * يحتمل أن تكون بمعنى مع، ويحتمل أن تكون باء التعدية. والله أعلم.
المسألة الثالثة: هذه الآية تدل على أن السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان، وهذا يدل على صحة ما يقوله المتكلمون، من أنه تعالى يجعل معجزة كل نبي من جنس ما كان غالبا على أهل ذلك الزمان فلما كان السحر غالبا على أهل زمان موسى عليه السلام كانت معجزته شبيهة بالسحر وإن كان مخالفا للسحر في الحقيقة، ولما كان الطب غالبا على أهل زمان عيسى عليه السلام كانت معجزته من جنس الطب، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد عليه الصلاة والسلام لا جرم كانت معجزته من جنس الفصاحة.
ثم قال تعالى: * (وجاء السحرة فرعون قالوا أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع، وابن كثير، وحفص، عن عاصم، أن لنا لأجرا بكسر الألف على الخبر والباقون على الاستفهام، ثم اختلفوا، فقرأ أبو عمرو بهمزة ممدودة على أصله والباقون بهمزتين قال الواحدي رحمه الله: الاستفهام أحسن في هذا الموضع، لأنهم أرادوا أن يعلموا هل لهم أجر أم لا؟ ويقطعون على أن لهم الأجر ويقوي ذلك إجماعهم في سورة الشعراء على الهمز للاستفهام وحجة نافع وابن كثير على أنهما أرادا همزة الاستفهام، ولكنهما حذفا ذلك من اللفظ وقد تحذف همزة الاستفهام من اللفظ، وإن كانت باقية في المعنى كقوله تعالى: * (وتلك نعمة تمنها علي) * (الشعراء: 22) فإنه يذهب كثير من الناس إلى أن معناه أو تلك بالاستفهام، وكما في قوله: * (هذا ربي) * (الأنعام: 77، 78) والتقدير. أهذا ربي. وقيل: أيضا المراد أن السحرة أثبتوا لأنفسهم أجرا عظيما، لأنهم قالوا: لا بد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم. كقول العرب: إن له لإبلا، وإن له لغنما، يقصدون الكثرة.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول: هلا قيل: * (وجاء السحرة فرعون قالوا).
وجوابه: هو على تقدير: سائل سأل: ما قالوا إذ جاؤه.
فأجيب بقوله: * (قالوا أئن لنا لأجرا) * أي جعلا على الغلبة.