أنه تعالى هو الذي سلط الشيطان الرجيم عليهم حتى أضلهم وأغواهم، قال الزجاج: ويتأكد هذا النص بقوله تعالى: * (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) * (مريم: 83) قال القاضي: معنى قوله: * (جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) * هو أنا حكمنا بأن الشيطان ولي لمن لا يؤمن، قال ومعنى قوله: * (أرسلنا الشياطين على الكافرين) * هو أنا خلينا بينهم وبينهم، كما يقال فيمن يربط الكلب في داره ولا يمنعه من التوثب على الداخل؛ إنه أرسل عليه كلبه.
والجواب: أن القائل إذا قال: إن فلانا جعل هذا الثوب أبيض أو أسود، لم يفهم منه أنه حكم به، بل يفهم منه أنه حصل السواد أو البياض فيه، فكذلك ههنا وجب حمل الجعل على التأثير والتحصيل، لا على مجرد الحكم، وأيضا فهب أنه تعالى حكم بذلك، لكن مخالفة حكم الله تعالى توجب كونه كاذبا وهو محال، فالمفضي إلى المحال محال، فكون العبد قادرا على خلاف ذلك، وجب أن يكون محالا. وأما قوله أن قوله تعالى: * (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) * أي خلينا بينهم وبين الكافرين فهو ضعيف أيضا، ألا ترى أن أهل السوق يؤذي بعضهم بعضا، ويشتم بعضهم بعضا، ثم إن زيدا وعمرا إذا لم يمنع بعضهم عن البعض. لا يقال أنه أرسل بعضهم على البعض، بل لفظ الإرسال إنما يصدق إذا كان تسليط بعضهم على البعض بسبب من جهته، فكذا ههنا. والله أعلم.
* (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليهآ ءاباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشآء أتقولون على الله ما لا تعلمون) *.
اعلم أن في الناس من حمل الفحشاء على ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة وغيرهما، وفيهم من حمله على أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، والأولى أن يحكم بالتعميم، والفحشاء عبارة عن كل معصية كبيرة، فيدخل فيه جميع الكبائر، واعلم أنه ليس المراد منه أن القرم كانوا يسلمون كون تلك الأفعال فواحش. ثم كانوا يزعمون أن الله أمرهم بها، فإن ذلك لا يقوله عاقل. بل المراد أن تلك الأشياء كانت في أنفسها فواحش، والقوم كانوا يعتقدون أنها طاعات، وإن الله أمرهم بها، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم كانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحش بأمرين.