نفس الملبوس ومنهم من حمله على غيره.
أما القول الأول: ففيه وجوه: أحدها: أن المراد أن اللباس الذي أنزله الله تعالى ليواري سوآتكم هو لباس التقوى وعلى هذا التقدير فلباس التقوى هو اللباس الأول وإنما أعاده الله لأجل أن يخبر عنه بأنه خير لأن جماعة من أهل الجاهلية كانوا يتعبدون بالتعري وخلع الثياب في الطواف بالبيت فجرى هذا في التكرير مجرى قول القائل: قد عرفتك الصدق في أبواب البر، والصدق خير لك من غيره. فيعيد ذكر الصدق ليخبر عنه بهذا المعنى. وثانيها: أن المراد من لباس التقوى ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقي به في الحروب. وثالثها: المراد من لباس التقوى الملبوسات المعدة لأجل إقامة الصلوات.
والقول الثاني: أن يحمل قوله: * (ولباس التقوى) * على المجازات ثم اختلفوا فقال قتادة والسدي وابن جريج: لباس التقوى الإيمان. وقال ابن عباس: لباس التقوى العمل الصالح، وقيل هو السمت الحسن، وقيل هو العفاف والتوحيد، لأن المؤمن لا تبدو عورته وإن كان عاريا من الثياب. والفاجر لا تزال عورته مكشوفة وإن كان كاسيا، وقال معبد هو الحياء. وقيل هو ما يظهر على الإنسان من السكينة والإخبات والعمل الصالح، وإنما حملنا لفظ اللباس على هذه المجازات لأن اللباس الذي يفيد التقوى، ليس إلا هذه الأشياء أما قوله: * (ذلك خير) * قال أبو علي الفارسي: معنى الآية * (ولباس التقوى خير) * (الأعراف: 26) لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب له إلى الله تعالى مما خلق من اللباس والرياش الذي يتجمل به. قال: وأضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف إلى الجوع في قوله: * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) * (النحل: 112) وقوله: * (ذلك من آيات الله) * معناه من آيات الله الدالة على فضله ورحمته على عباده يعني إنزال اللباس عليهم * (لعلهم يذكرون) * فيعرفون عظيم النعمة فيه.
* (يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهمآ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أوليآء للذين لا يؤمنون) *.