ولقائل أن يقول: هذا منهم كذب، لأنهم لكونهم رؤساء وسادة وقادة، قد دعوا إلى الكفر وبالغوا في الترغيب فيه، فكانوا ضالين ومضلين، وأما الأتباع والسفلة، فهم وإن كانوا ضالين، إلا أنهم ما كانوا مضلين، فبطل قولهم أنه لا فضل للأتباع على الرؤساء في ترك الضلال والكفر.
وجوابه: أن أقصى ما في الباب أن الكفار كذبوا في هذا القول يوم القيامة، وعندنا أن ذلك جائز، وقد قررناه في سورة الأنعام في قوله: * (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23).
أما قوله: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) * فهذا يحتمل أن يكون من كلام القادة، وإن يكون من قول الله تعالى لهم جميعا.
واعلم أن المقصود من هذا الكلام التخويف والزجر، لأنه تعالى لما أخبر عن الرؤساء والأتباع أن بعضهم يتبرأ عن بعض، ويلعن بعضهم بعضا، كان ذلك سببا لوقوع الخوف الشديد في القلب.
* (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السمآء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين * لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين) *.
اعلم أن المقصود منه إتمام الكلام في وعيد الكفار، وذلك لأنه تعالى قال في الآية المتقدمة * (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (الأعراف: 36) ثم شرح تعالى في هذه الآية كيفية ذلك الخلود في حق أولئك المكذبين المستكبرين بقوله: * (كذبوا بآياتنا) * أي بالدلائل الدالة على المسائل التي هي أصول الدين، فالدهرية ينكرون دلائل إثبات الذات والصفات، والمشركون ينكرون دلائل التوحيد، ومنكرو النبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحة النبوات