بمعنى المحقوق، وهو من قولك: حققت الرجل إذا ما تحققته وعرفته على يقين، ولفظة * (علي) * ههنا هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية، كقوله تعالى: * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * (الروم: 30) وتقول: جاءت فلان على هيئته وعادته، وعرفته وتحققته على كذا وكذا من الصفات، فمعنى الآية: أني لم أعرف ولم أتحقق إلا على قول الحق. والله أعلم.
أما قوله: * (فأرسل معي بني إسرائيل) * أي أطلق عنهم وخلهم، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة، مثل ضرب اللبن ونقل التراب، فعند هذا الكلام قال فرعون: * (إن كنت جئت بآية فت بها إن كنت من الصادقين) * وفيه بحثان:
البحث الأول: أن لقائل أن يقول: كيف قال له * (فت بها) * بعد قوله: * (إن كنت جئت بآية) *.
وجوابه: إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فتني بها وأحضرها عندي، ليصح دعواك ويثبت صدقك.
والبحث الثاني: أن قوله: * (إن كنت جئت بآية فت بها إن كنت من الصادقين) * جزاء وقع بين شرطين، فكيف حكمه؟ وجوابه أن نظيره قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا. وههنا المؤخر في اللفظ يكون متقدما في المعنى، وقد سبق تقرير هذا المعنى فيما تقدم.
* (فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هى بيضآء للناظرين * قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون) *.
اعلم أن فرعون لما طالب موسى عليه السلام بإقامة البينة على صحة نبوته بين الله تعالى أن معجزته كانت قلب العصا ثعبانا، وإظهار اليد البيضاء، والكلام في هذه الآية يقع على وجوه: الأول: أن جماعة الطبيعيين ينكرون إمكان انقلاب العصا ثعبانا. وقالوا: الدليل على امتناعه أن تجويز انقلاب العصا ثعبانا يوجب ارتفاع الوثوق عن العلوم الضرورية وذلك باطل، وما يفضي إلى الباطل فهو باطل. إنما قلنا: إن تجويزه يوجب ارتفاع الوثوق على العلوم الضرورية، وذلك لأنا لو جوزنا أن يتولد الثعبان العظيم من العصا الصغيرة لجوزنا أيضا أن يتولد الإنسان الشاب القوي عن التبنة