فإن قال قائل لما علم الله تعالى من حال أولئك الأقوام أنهم لا يؤمنون بتلك المعجزات، فما الفائدة في تواليها وإظهار الكثير منها؟ وأيضا فقوم محمد صلى الله عليه وسلم طلبوا المعجزات فما أجيبوا فما الفرق.
والجواب: أما على قول أصحابنا فيفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، وأما على قول المعتزلة في رعاية الصلاح، فلعله علم من قوم موسى أن بعضهم كان يؤمن عند ظهور تلك المعجزات الزائدة، وعلم من قوم محمد صلى الله عليه وسلم أن أحدا منهم لا يزداد بعد ظهور تلك المعجزات الظاهرة إلا كفرا وعنادا، فظهر الفرق. والله أعلم.
* (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسراءيل * فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون) *.
اعلم أنا ذكرنا معنى الرجز عند قوله: * (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) * (البقرة: 59) في سورة البقرة وهو اسم للعذاب، ثم إنهم اختلفوا في المراد بهذا الرجز فقال بعضهم: إنه عبارة عن الأنواع الخمسة المذكورة من العذاب الذي كان نازلا بهم. وقال سعيد بن جبير * (الرجز) * معناه: الطاعون وهو العذاب الذي أصابهم فمات به من القبط سبعون ألف إنسان في يوم واحد، فتركوا غير مدفونين، واعلم أن القول الأول أقوى لأن لفظ * (الرجز) * لفظ مفرد محلي بالألف واللام فينصرف إلى المعهود السابق، وههنا المعهود السابق هو الأنواع الخمسة التي تقدم ذكرها، وأما غيرها فمشكوك فيه، فحمل اللفظ على المعلوم أولى من حمله على المشكوك فيه.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى بين ما كانوا عليه من المناقضة القبيحة، لأنهم تارة يكذبون موسى عليه السلام، وأخرى عند الشدائد يفزعون إليه نزع الأمة إلى نبيها ويسألونه أن يسأل ربه رفع ذلك العذاب عنهم، وذلك يقتضي أنهم سلموا إليه كونه نبيا مجاب الدعوة، ثم بعد زوال تلك الشدائد يعودون إلى تكذيبه والطعن فيه، وأنه إنما يصل إلى مطالبة بسحره، فمن هذا الوجه يظهر