واعلم أنه سبحانه وصف هذه الحركة بالسرعة والشدة، وذلك هو الحق، لأن تعاقب الليل والنهار إنما يحصل بحركة الفلك الأعظم، وتلك الحركة أشد الحركات سرعة، وأكملها شدة، حتى أن الباحثين عن أحوال الموجودات. قالوا: الإنسان إذا كان في العدو الشديد الكامل، فإلى أن يرفع رجله ويضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل، وإذا كان الأمر كذلك كانت تلك الحركة في غاية الشدة والسرعة، فلهذا السبب قال تعالى: * (يطلبه حثيثا) * ونظير هذه الآية قوله سبحانه: * (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) * (يس: 40) فشبه ذلك السير وتلك الحركة بالسباحة في الماء، والمقصود: التنبيه على سرعتها وسهولتها وكمال إيصالها.
ثم قال تعالى: * (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر * (والشمس والقمر والنجوم مسخرات) * بالرفع على معنى الابتداء والباقون بالنصب على معنى وجعل الشمس والقمر، قال الواحدي والنصب هو الوجه لقوله تعالى: * (واسجدوا لله الذي خلقهن) * (فصلت: 37) فكما صرح في هذه الآية أنه سخر الشمس والقمر كذلك يجب أن يحمل على أنه خلقها في قوله: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض.... والشمس والقمر والنجوم) * وهذا النصف على الحال أي خلق هذه الأشياء حال كونها موصوفة بهذه الصفات والآثار والأفعال وحجة ابن عامر قوله تعالى: * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) * (الجاثية: 13) ومن جملة ما في السماء الشمس والقمر فلما أخبر أنه تعالى سخرها حسن الأخبار عنها بأنها مسخرة كما أنك إذا قلت ضربت زيدا استقام أن تقول زيد مضروب.
المسألة الثانية: في هذه الآية لطائف: فالأولى: أن الشمس لها نوعان من الحركة:
أحد النوعين: حركتها بحسب ذاتها وهي إنما تتم في سنة كاملة وبسبب هذه الحركة تحصل السنة.
والنوع الثاني: حركتها بسبب حركة الفلك الأعظم وهذه الحركة تتم في اليوم بليلة.
إذا عرفت هذا فنقول: الليل والنهار لا يحصل بسبب حركة الشمس وإنما يحصل بسبب حركة السماء الأقصى التي يقال لها العرش فهذا السبب لما ذكر العرش بقوله: * (ثم استوى على العرش) * ربط به قوله: * (يغشي الليل النهار) * تنبيها على أن سبب حصول الليل والنهار هو حركة الفلك الأقصى لا حركة الشمس والقمر وهذه دقيقة عجيبة. والثانية: أنه تعالى لما شرح كيفية تخليق السماوات. قال: * (فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) * (فصلت: 12) فدلت تلك الآية على أنه سبحانه خص كل ذلك بلطيفة نورانية ربانية من عالم الأمر.