منا في علم السحر، فقدر على ما عجزنا عنه، فثبت أنهم كانوا كاملين في علم السحر. فلأجل كمالهم في ذلك العلم انتقلوا من الكفر إلى الإيمان. فإذا كان حال علم السحر كذلك، فما ظنك بكمال حال الإنسان في علم التوحيد.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا بقوله تعالى: * (وألقي السحرة ساجدين) * قالوا: دلت هذه الآية على أن غيرهم ألقاهم ساجدين، وما ذاك إلا الله رب العالمين. فهذا يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى. قال مقاتل: ألقاهم الله تعالى ساجدين. وقال المعتزلة: الجواب عنه من وجوه: الأول: أنهم لما شاهدوا الآيات العظيمة والمعجزات القاهرة. لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين؛ فصار كأن ملقيا ألقاهم. الثاني: قال الأخفش: من سرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقاهم غيرهم لأنهم لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين. الثالث: أنه ليس في الآية أنه ألقاهم ملق إلى السجود، إلا أنا نقول: إن ذلك الملقي هو أنفسهم.
والجواب: أن خالق تلك الداعية في قلوبهم هو الله تعالى، وإلا لافتقروا في خلق تلك الداعية الجازمة إلى داعية أخرى ولزم التسلسل وهو محال. ثم أن أصل تلك القدرة مع تلك الداعية الجازمة تصير موجبة للفعل. وخالق ذلك الموجب هو الله تعالى فكان ذلك الفعل والأثر مسندا إلى الله تعالى، والله أعلم.
المسألة الثالثة: أنه تعالى ذكر أولا أنهم صاروا ساجدين، ثم ذكر بعده أنهم قالوا: * (آمنا برب العالمين) * فما الفائدة فيه مع أن الأيمان يجب أن يكون متقدما على السجود؟ وجوابه من وجوه: الأول: أنهم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا لله تعالى في الحال، وجعلوا ذلك السجود شكرا لله تعالى على الفوز بالمعرفة والإيمان، وعلامة أيضا على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان، وإظهار الخضوع والتذلل لله تعالى فكأنهم جعلوا ذلك السجود الواحد علامة على هذه الأمور الثلاثة على سبيل الجمع.
الوجه الثاني: لا يبعد أنهم عند الذهاب إلى السجود قالوا: * (آمنا برب العالمين) * وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل والوجه الصحيح هو الأول.
المسألة الرابعة: احتج أهل التعليم بهذه الآية فقالوا: الدليل على أن معرفة الله لا تحصل إلا بقول النبي إن أولئك السحرة لما قالوا: * (آمنا برب العالمين) * لم يتم إيمانهم فلما قالوا: * (رب موسى وهارون) * تم إيمانهم وذلك يدل على قولنا.
وأجاب العلماء عنه: بأنهم لما قالوا: * (آمنا برب العالمين) * قال لهم فرعون إياي تعنون فلما قالوا: