المسألة الثالثة: أنه تعالى لما بين في الآيتين المتقدمين ما وصى به أجمل في آخره إجمالا يقتضي دخول ما تقدم فيه، ودخول سائر الشريعة فيه فقال: * (وأن هذا صراطي مستقيما) * فدخل فيه كل ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام وهو المنهج القويم والصراط المستقيم، فاتبعوا جملته وتفصيله ولا تعدلوا عنه فتقعوا في الضلالات. وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا، ثم قال: هذا سبيل الرشد ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا، ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه؟ ثم تلا هذه الآية: * (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) * وعن ابن عباس هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار.
ثم قال: * (ذلكم وصاكم به) * أي بالكتاب * (لعلكم تتقون) * المعاصي والضلالات.
المسألة الرابعة: هذه الآية تدل على أن كل ما كان حقا فهو واحد، ولا يلزم منه أن يقال: إن كل ما كان واحدا فهو حق، فإذا كان الحق واحدا كان كل ما سواه باطلا، وما سوى الحق أشياء كثيرة، فيجب الحكم بأن كل كثير باطل، ولكن لا يلزم أن يكون كل باطل كثيرا بعين ما قررناه في القضية الأولى.
قوله تعالى * (ثم ءاتينا موسى الكتاب تماما على الذى أحسن وتفصيلا لكل شىء وهدى ورحمة لعلهم بلقآء ربهم يؤمنون) *.
اعلم أن قوله: * (ثم آتينا) * فيه وجوه: الأول: التقدير: ثم إني أخبركم بعد تعديد المحرمات وغيرها من الأحكام، إن آتينا موسى الكتاب، فذكرت كلمة " ثم " لتأخير الخبر عن الخبر، لا لتأخير الواقعة، ونظيره قوله تعالى: * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * (الأعراف: 11) والثاني: أن التكاليف التسعة المذكورة في الآية المتقدمة التكليف لا يجوز اختلافها بحسب اختلاف الشرائع بل هي أحكام واجبة الثبوت من أول زمان التكليف إلى قيام القيامة. وأما الشرائع التي كانت التوبة مختصة بها، فهي إنما حدثت بعد تلك التكاليف التسعة، فتقدير الآية أنه تعالى لما ذكرها قال: ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا، ثم بعد ذلك آتينا موسى الكتاب. الثالث: أن