قلنا: القرآن بينة فيما يعلم سمعا وهو هدى فيما يعلم سمعا وعقلا، فلما اختلفت الفائدة صح هذا العطف، وقد بينا أن معنى * (رحمة) * أي أنه نعمة في الدين.
ثم قال تعالى: * (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله) * والمراد تعظيم كفر من كذب بآيات الله، وصدف عنها، أي منع عنها، لأن الأول ضلال، والثاني منع عن الحق وإضلال.
ثم قال تعالى: * (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب) * وهو كقوله: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) *.
قوله تعالى * (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتى ربك أو يأتى بعض ءايات ربك يوم يأتى بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا قل نتظروا إنا منتظرون) *.
قرأ حمزة والكسائي: * (يأتيهم) * بالياء وفي النحل مثله، والباقون * (تأتيهم) * بالتاء.
واعلم أنه تعالى لما بين أنه إنما أنزل الكتاب إزالة للعذر، وإزاحة للعلة، وبين أنهم لا يؤمنون البتة وشرح أحوالا توجب اليأس عن دخولهم في الإيمان فقال: * (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) * ونظير هذه الآية قوله في سورة البقرة: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) * (الأنعام: 158) ومعنى ينظرون ينتظرون وهل استفهام معناه النفي، وتقدير الآية: أنهم لا يؤمنون بك إلا إذا جاءهم أحد هذه الأمور الثلاثة، وهي مجيء الملائكة، أو مجيء الرب، أو مجيء الآيات القاهرة من الرب.
فإن قيل: قوله: * (أو يأتي ربك) * هل يدل على جواز المجيء والغيبة على الله.
قلنا: الجواب عنه من وجوه: الأول: أن هذا حكاية عنهم، وهم كانوا كفارا، واعتقاد الكافر ليس بحجة، والثاني: أن هذا مجاز. ونظيره قوله تعالى: * (فأتى الله بنيانهم) * (النحل: 26) وقوله: * (إن الذين يؤذون الله) * (الأحزاب: 57) والثالث: قيام الدلائل القاطعة على أن المجيء والغيبة على الله تعالى محال، وأقربها قول الخليل صوات الله عليه في الرد على عبدة الكواكب * (لا أحب الآفلين) * (الأنعام: 76).