المسألة الأولى: ظاهر الآية أنه تعالى إنما أنزل عليهم هذه المضار لأجل أن يرجعوا عن طريقة التمرد والعناد إلى الانقياد والعبودية، وذلك لأن أحوال الشدة ترقق القلب وترغب فيما عند الله، والدليل عليه قوله تعالى: * (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) * (ا " سراء: 67) وقوله: * (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) * (فصلت: 51).
المسألة الثانية: قال القاضي: هذه الآية تدل على أنه تعالى فعل ذلك إرادة منه أن يتذكروا، لا أن يقيموا على ما هم عليه من الكفر.
أجاب الواحدي عنه: بأنه قد جاء لفظ الابتلاء والاختبار في القرآن، لا بمعنى أنه تعالى يمتحنهم، لأن ذلك على الله تعالى محال، بل بمعنى أنه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء والامتحان، فكذا ههنا. والله أعلم.
ثم بين تعالى أنهم عند نزول تلك المحن عليهم يقدمون على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم فقال: * (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه) * قال ابن عباس: يريد بالحسنة العشب والخصب والثمار والمواشي والسعة في الرزق والعافية والسلامة * (وقالوا لنا هذه) * أي نحن مستحقون على العادة التي جرت من كثرة نعمنا وسعة أرزاقنا، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروه عليه ويقوموا بحق النعمة فيه. وقوله: * (وإن تصبهم سيئة) * يريد القحط والجدب والمرض والضر والبلاء * (يطيروا بموسى ومن معه) * أي يتشاءموا به. ويقولوا إنما أصابنا هذا الشر بشؤم موسى وقومه، والتطير التشاؤم في قول جميع المفسرين وقوله: * (يطيروا) * هو في الأصل يتطيروا، أدغمت التاء في الطاء، لأنهما من مكان واحد من طرف اللسان وأصول الثنايا وقوله: * (ألا إنما طائرهم عند الله) * في الطائر قولان:
القول الأول: قال ابن عباس: يريد شؤمهم عند الله تعالى أي من قبل الله أي إنما جاءهم الشر بقضاء الله وحكمه، فالطائر ههنا الشؤم. ومثله قوله تعالى في قصة ثمود: * (قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله) * قال الفراء: وقد تشاءمت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا غلت أسعارنا وقلت أمطارنا مذ أتانا، قال الأزهري: وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها، والتطير ببارحها، ونعيق غربانها، وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها، فسموا الشؤم طيرا وطائرا وطيرة لتشاؤمهم بها.
ثم أعلم الله تعالى على لسان رسوله أن طيرتهم باطلة، فقال: * (لا طيرة ولا هام) * وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل، ولا يتطير. وأصل الفأل الكلمة الحسنة، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة قال محمد الرازي رحمه الله: