موافق لما روي عن ابن عباس أنه قال: جعله ترابا. وقوله: * (وخر موسى صعقا) * قال الليث: الصعق مثل الغشي يأخذ الإنسان، والصعقة الغشية. يقال: صعق الرجل وصعق، فمن قال صعق فهو صعق. ومن قال صعق فهو مصعوق. ويقال أيضا: صعق إذا مات، ومنه قوله تعالى: * (فصعق من في السماوات ومن في الأرض) * (الزمر: 68) فسروه بالموت. ومنه قوله: * (يومهم الذي فيه يصعقون) * أي يموتون. قال صاحب " الكشاف ": صعق أصله من الصاعقة، ويقال لها: الصاقعة من صقعه إذا ضربه على رأسه.
إذا عرفت هذا فنقول: فسر ابن عباس قوله تعالى: * (وخر موسى صعقا) * بالغشي، وفسره قتادة بالموت، والأول أقوى، لقوله تعالى: * (فلما أفاق) * قال الزجاج: ولا يكاد يقال للميت: قد أفاق من موته، ولكن يقال للذي يغشى عليه: أنه أفاق من غشيه، لأن الله تعالى قال في الذين ماتوا: * (ثم بعثناكم من بعد موتكم) * (البقرة: 56).
أما قوله: * (قال سبحانك) * أي تنزيها لك عن أن يسألك غيرك شيئا بغير إذنك، * (تبت إليك) * وفيه وجهان: الأول: * (تبت إليك) * من سؤال الرؤية في الدنيا. الثاني: * (تبت إليك) * من سؤال الرؤية بغير إذنك * (وأنا أول المؤمنين) * بأنك لا ترى في الدنيا، أو يقال: * (وأنا أول المؤمنين) * بأنه لا يجوز السؤال منك إلا بإذنك.
* (قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ مآ ءاتيتك وكن من الشاكرين) *.
اعلم أن موسى عليه السلام لما طلب الرؤية ومنعه الله منها، عدد الله عليه وجوه نعمه العظيمة التي له عليه، وأمره أن يشتغل بشكرها كأنه قال له إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظيمة كذا وكذا، فلا يضيق صدرك بسبب منع الرؤية، وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصصتك بها واشتغل بشكرها. والمقصود تسلية موسى عليه السلام عن منع الرؤية، وهذا أيضا أحد ما يدل على أن الرؤيا جائزة على الله تعالى، إذ لو كانت ممتنعة في نفسها لما كان إلى ذكر هذا القدر حاجة.