المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو * (أبلغكم) * بالتخفيف، من أبلغ، والباقون بالتشديد. قال الواحدي: وكلا الوجهين جاء في التنزيل، فالتخفيف قوله: * (فإن تولوا فقد أبلغتكم) * (هود: 57) والتشديد * (فما بلغت رسالته) * (المائدة: 67). المسألة الثانية: الفرق بين تبليغ الرسالة وبين النصيحة هو أن تبليغ الرسالة معناه: أن يعرفهم أنواع تكاليف الله وأقسام أوامره ونواهيه، وأما النصيحة: فهو أنه يرغبه في الطاعة، ويحذره عن المعصية، ويسعى في تقرير ذلك الترغيب والترهيب لأبلغ وجوه، وقوله: * (رسالات ربي) * يدل على أنه تعالى حمله أنواعا كثيرة من الرسالة. وهي أقسام التكاليف من الأوامر والنواهي، وشرح مقادير الثواب والعقاب في الآخرة، ومقادير الحدود والزواجر في الدنيا، وقوله: * (وأنصح لكم) * قال الفراء: لا تكاد العرب تقول: نصحتك، إنما تقول: نصحت لك، ويجوز أيضا نصحتك. قال النابغة:
نصحت بني عوف فلم يتقبلوا * رسولي ولم تنجح لديهم رسائلي وحقيقة النصح الإرسال إلى المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه، والمعنى: أني أبلغ إليكم تكاليف الله، ثم أرشدكم إلى الأصوب الأصلح، وأدعوكم إلى ما دعاني، وأحب إليكم ما أحبه لنفسي.
ثم قال: * (واعلم من الله ما لا تعلمون) * وفيه وجوه: الأول: واعلم أنكم إن عصيتم أمره عاقبكم بالطوفان. الثاني: واعلم أنه يعاقبكم في الآخرة عقابا شديدا خارجا عما تتصوره عقولكم. الثالث: يجوز أن يكون المراد: واعلم من توحيد الله وصفات جلاله ما لا تعلمون. ويكون المقصود من ذكر هذا الكلام: حمل القوم على أن يرجعوا إليه في طلب تلك العلوم.
* (أو عجبتم أن جآءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنآ إنهم كانوا قوما عمين) *.
اعلم أن قوله: * (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا) * يدل على أن مراد