أمرنا ذليلين خاضعين تحت حكمنا، وهذا الوجه أولى مما قاله القاضي، لأن قوله: * (على الله توكلنا) * لائق بهذا الوجه، لا بما قاله القاضي.
المسألة الثانية: قوله: * (وسع ربنا كل شيء علما) * يدل على أنه تعالى كان عالما في الأزل بجميع الأشياء، لأن قوله: * (وسع) * فعل ماض، فيتناول كل ماض. وإذا ثبت أنه كان في الأزل عالما بجميع المعلومات. وثبت أن تغير معلومات الله تعالى محال، لزم أنه ثبتت الأحكام وجفت الأقلام والسعيد من سعد في علم الله، والشقي من شقي في علم الله.
المسألة الثالثة: قوله: * (وسع ربنا كل شيء علما) * يدل على أنه علم الماضي، والحال والمستقبل وعلم المعدوم أنه لو كان كيف كان يكون، فهذه أقسام أربعة، ثم كل واحد من هذه الأقسام الأربعة يقع على أربعة أوجه. أما الماضي: فإنه علم أنه لما كان ماضيا، فإنه كيف كان. وعلم أنه لو لم يكن ماضيا، بل كان حاضرا، فإنه كيف يكون وعلم أنه لو كان مستقبلا كيف يكون. وعلم أنه لو كان عدما محضا كيف يكون، فهذه أقسام أربعة بحسب الماضي، واعتبر هذه الأقسام الأربعة بحسب الحال، وبحسب المستقبل، وبحسب المعدوم المحض، فيكون المجموع ستة عشر، ثم اعتبر هذه الأقسام الستة عشر بحسب كل واحد من الذوات والألوان والطعوم والروائح، وكذا القول في سائر المفردات من أنواع الأعراض وأجناسها، فحينئذ يلوح لعقلك من قوله: * (وسع ربنا كل شيء علما) * بحر لا ينتهي مجموع عقول العقلاء إلى أول خطوة من خطوات ساحله.
المسألة الرابعة: قال الواحدي: قوله: * (وسع ربنا كل شيء علما) * منصوب على التمييز.
واعلم أنه عليه الصلاة والسلام ختم كلامه بأمرين: الأول: بالتوكل على الله. فقال: * (على الله توكلنا) * فهذا يفيد الحصر، أي عليه توكلنا لا على غيره، وكأنه في هذا المقام عزل الأسباب، وارتقى عنها إلى مسبب الأسباب. والثاني: الدعاء. فقال: * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * قال ابن عباس والحسن وقتادة، والسدي: احكم واقض. وقال الفراء: أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح لأنه يفتح مواضع الحق، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما كنت أدري قوله: * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي أحاكمك. قال الزجاج: وجائز أن يكون قوله: * (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * أي أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبين قومنا وينكشف، والمراد منه: أن ينزل عليهم عذابا يدل على كونهم مبطلين، وعلى كون شعيب وقومه محقين، وعلى هذا الوجه يراد به الكشف والتبيين.
ثم قال: * (وأنت خير الفاتحين) * والمراد منه الثناء على الله. واحتج أصحابنا بهذا اللفظ على أنه