دليل حدوث الأجسام، والقائل بهذا القول، لا يمكنه إقامة الدلالة على حدوث كل الأجسام بطريق الحركة والسكون، والكرامية وافقونا على أن تجويز هذا يوجب الكفر. والله أعلم.
البرهان السادس: لو كان الباري تعالى حاصلا في الحيز والجهة لكان مشارا إليه بحسب الحس وكل ما كان كذلك، فإما أن لا يقبل القسمة بوجه من الوجوه وإما أن يقبل القسمة.
فإن قلنا: إنه تعالى يمكن أن يشار إليه بحسب الحس، مع أنه لا يقبل القسمة المقدارية البتة، كان ذلك نقطة لا تنقسم، وجوهرا فردا لا ينقسم، فكان ذلك في غاية الصغر والحقارة، وهذا باطل بإجماع جميع العقلاء، وذلك لأن الذين ينكرون كونه تعالى في الجهة ينكرون كونه تعالى كذلك، والذين يثبتون كونه تعالى في الجهة ينكرون كونه تعالى في الصغر والحقارة مثل الجزء الذي لا يتجزأ، فثبت أن هذا بإجماع العقلاء باطل، وأيضا فلو جاز ذلك، فلم لا يعقل أن يقال: إله العالم جزء من ألف جزء من رأس إبرة، أو ذرة ملتصقة بذنب قملة، أو نملة؟ ومعلوم أن كل قول يفضي إلى مثل هذه الأشياء، فإن صريح العقل يوجب تنزيه الله تعالى عنه.
وأما القسم الثاني: وهو أنه يقبل القسمة، فنقول: كل ما كان كذلك، فذاته مركبة وكل مركب فهو ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فهو مفتقر إلى الموجد والمؤثر، وذلك على الإله الواجب لذاته محال.
البرهان السابع: أن نقول: كل ذات قائمة بنفسها مشارا إليها بحسب الحس فهو منقسم وكل منقسم ممكن فكل ذات قائمة بنفسها مشار إليها بحسب الحس فهو ممكن. فما لا يكون ممكنا لذاته بل كان واجبا لذاته امتنع كونه مشارا إليه بحسب الحس.
أما المقدمة الأولى: فلأن كل ذات قائمة بالنفس مشار إليها بحسب الحس فلا بد وأن يكون جانب يمينه مغايرا لجانب يساره وكل ما هو كذلك فهو منقسم.
وأما المقدمة الثانية: وهي أن كل منقسم ممكن فإنه يفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره، وكل منقسم فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته.
واعلم أن المقدمة الأولى من مقدمات هذا الدليل إنما تتم بنفي الجوهر الفرد.
البرهان الثامن: لو ثبت كونه تعالى في حيز لكان إما أن يكون أعظم من العرش أو مساويا له أو أصغر منه فإن كان الأول كان منقسما لأن القدر الذي منه يساوي العرش يكون مغايرا للقدر الذي يفضل على العرش وإن كان الثاني كان منقسما لأن العرش منقسم والمساوي للمنقسم منقسم وإن كان الثالث، فحينئذ يلزم أن يكون العرش أعظم منه وذلك باطل بإجماع الأمة. أما عندنا