فنقول: الحق أنه متى ثبت كونه تعالى خالقا لبعض الأشياء، وجب كونه خالقا لكل الممكنات، وتقريره: أن افتقار المخلوق إلى الخالق لإمكانه، والإمكان واحد في كل الممكنات، وهذا الإمكان إما أن يكون علة للحاجة إلى مؤثر متعين، أو إلى مؤثر غير متعين. والثاني باطل، لأن كل ما كان موجودا في الخارج، فهو متعين في نفسه، فيلزم منه أن ما لا يكون متعينا في نفسه لم يكن موجودا في الخارج. وما لا وجود له في الخارج امتنع أن يكون علة لوجود غيره في الخارج، فثبت أن الإمكان علة للحاجة إلى موجد ومعين، فوجب أن يكون جميع الممكنات محتاجا إلى ذلك المعين. فثبت أن الذي يكون مأثرا في وجود شيء واحد، هو المؤثر في وجود كل الممكنات.
أما قوله تعالى: * (تبارك الله رب العالمين) * فاعلم أنه سبحانه لما بين كونه خالقا للسموات، والأرض، والعرش، والليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم وبين كون الكل مسخرا في قدرته وقهره ومشيئته، وبين أن له الحكم والأمر والنهي والتكليف، بين أنه يستحق الثناء والتقديس والتنزيه، فقال: * (تبارك الله رب العالمين) * وقد تقدم تفسير * (تبارك) * فلا نعيده.
واعلم أنه تعالى بدأ في أول الآية: رب السماوات والأرضين، وسائر الأشياء المذكورة، ثم ختم الآية بقوله: * (تبارك الله رب العالمين) * والعالم كل موجود سوى الله تعالى، فبين كونه ربا وإلها وموجودا ومحدثا لكل ما سواه، ومع كونه كذلك فهو رب ومرب ومحسن ومتفضل، وهذا آخر الكلام في شرح هذه الآية.
* (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الدالة على كمال القدرة والحكمة والرحمة، وعند هذا تم التكليف المتوجه إلى تحصيل المعارف النفسانية، والعلوم الحقيقية، أتبعه بذكر الأعمال اللائقة بتلك المعارف وهو الاشتغال بالدعاء والتضرع، فإن الدعاء مخ العبادة، فقال: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * وفي الآية مسائل: