المسألة السابعة: قوله تعالى: * (ما منعك أن لا تسجد) * لا شك أن قائل هذا القول هو الله لأن قوله: * (إذ أمرتك) * لا يليق إلا بالله سبحانه.
وأما قوله: * (خلقتني من نار) * فلا شك أن قائل هذا القول هو إبليس.
* (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) *.
وأما قوله: * (قال فاهبط منها) * فلا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى، ومثل هذه المناظرة بين الله سبحانه وبين إبليس مذكور في سورة * (ص) * على سبيل الاستقصاء.
إذا ثبت هذا فنقول: إنه لم يتفق لأحد من أكابر الأنبياء عليهم السلام مكالمة مع الله مثل ما اتفق لإبليس، وقد عظم الله تشريف موسى بأن كلمه حيث قال: * (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) * (الأعراف: 143) وقال: * (وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 164) فإن كانت هذه المكالمة تفيد الشرف العظيم فكيف حصلت على أعظم الوجوه لإبليس؟ وإن لم توجب الشرف العظيم، فكيف ذكره الله تعالى في معرض التشريف الكامل لموسى عليه السلام؟
والجواب: أن بعض العلماء قال: إنه تعالى قال لإبليس على لسان من يؤدي إليه من الملائكة ما منعك من السجود؟ ولم يسلم أنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة. قالوا: لأنه ثبت أن غير الأنبياء لا يخاطبهم الله تعالى إلا بواسطة، ومنهم من قال: إنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة، ولكن على وجه الإهانة بدليل أنه تعالى قال له: * (فاخرج إنك من الصاغرين) * وتكلم مع موسى ومع سائر الأنبياء عليهم السلام على سبيل الإكرام. ألا ترى أنه تعالى قال لموسى: * (وأنا اخترتك) * (طه: 13) وقال له * (واصطنعتك لنفسي) * (طه: 41) وهذا نهاية الإكرام.
المسألة الثامنة: قوله تعالى: * (فاهبط منها) * قال ابن عباس: يريد من الجنة، وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم. وقال بعض المعتزلة: أنه إنما أمر بالهبوط من السماء، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في سورة البقرة: * (فما يكون لك أن تتكبر فيها) * أي في السماء. قال ابن عباس: يريد أن أهل السماوات ملائكة متواضعون خاشعون فاخرج إنك من الصاغرين، والصغار الذلة. قال الزجاج: إن إبليس طلب التكبر فابتلاه الله تعالى بالذلة والصغار تنبيها على صحة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: " من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله " وقال بعضهم: لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار. والله أعلم.