تمزعت لحمها وبقي عظامها. فلما ذهبت السباع، وطارت الطير على الجبال والآكام، فوقف وتعجب ثم قال: رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير * (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى) * ولكن ليس الخبر كالمعاينة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: مر إبراهيم بحوت نصفه في البر، ونصفه في البحر، فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله، فقال له الخبيث: يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فقال: يا رب أرني كيف تحيي الموتى! قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي.
وقال آخرون: بل كان سبب مسألته ربه ذلك، المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمروذ في ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، قال: لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء، قال نمروذ فيما يذكرون لإبراهيم: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو؟ قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمروذ: أنا أحيي وأميت. فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ ثم ذكر ما قص الله من محاجته إياه.
قال: فقال إبراهيم عند ذلك: * (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) * من غير شك في الله تعالى ذكره ولا في قدرته، ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه، فقال: ليطمئن قلبي، أي ما تاق إليه إذا هو علمه.
وهذان القولان، أعني الأول وهذا الآخر، متقاربا المعنى في أن مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى كانت ليرى عيانا ما كان عنده من علم ذلك خبرا.
وقال آخرون: بل كانت مسألته ذلك ربه عند البشارة التي أتته من الله بأنه اتخذه خليلا، فسأل ربه أن يريه عاجلا من العلامة له على ذلك ليطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا، ويكون ذلك لما عنده من اليقين مؤيدا. ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي،