فإن إحياء العظام لا شك في هذا الموضع إنما عنى به ردها إلى أماكنها من جسد المنظور إليه، وهو يحيا، لا إعادة الروح التي كانت فارقتها عند الممات. والذي يدل على ذلك قوله: * (ثم نكسوها لحما) * ولا شك أن الروح إنما نفخت في العظام التي أنشرت بعد أن كسيت اللحم. وإذا كان ذلك كذلك، وكان معنى الأنشاز تركيب العظام وردها إلى أماكنها من الجسد، وكان ذلك معنى الانشار، وكان معلوما استواء معنييهما، وأنهما متفقا المعنى لا مختلفاه، ففي ذلك إبانة عن صحة ما قلنا فيه. وأما القراءة الثالثة فغير جائزة القراءة بها عندي، وهي قراءة من قرأ: كيف ننشرها بفتح النون وبالراء، لشذوذها عن قراءة المسلمين وخروجها عن الصحيح الفصيح من كلام العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم نكسوها لحما) * يعني تعالى ذكره بذلك: * (ثم نكسوها) * أي العظام لحما. والهاء التي في قوله: * (ثم نكسوها لحما) * من ذكر العظام. ومعنى نكسوها: نلبسها ونواريها به كما يواري جسد الانسان كسوته التي يلبسها، وكذلك تفعل العرب، تجعل كل شئ غطى شيئا وواراه لباسا له وكسوة، ومنه قول النابغة الجعدي:
فالحمد لله إذ لم يأتني أجلي * حتى اكتسيت من الاسلام سربالا فجعل الاسلام إذ غطى الذي كان عليه فواراه وأذهبه كسوة له وسربالا.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) *.
يعني تعالى ذكره بقوله: * (فلما تبين له) * فلما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا من قدرة الله وعظمته عنده قبل عيانه ذلك، قال: أعلم الآن بعد المعاينة والاتضاح والبيان أن الله على كل شئ قدير.