واحتج بعض قراء ذلك بالراء وضم نون أوله بقوله: * (ثم إذا شاء أنشره) * فرأى أن من الصواب إلحاق قوله: وانظر إلى العظام كيف ننشرها به. وقرأ ذلك بعضهم: وانظر إلى العظام كيف ننشرها بفتح النون من أوله وبالراء، كأنه وجه ذلك إلى مثل معنى نشر الشئ وطيه. وذلك قراءة غير محمودة، لان العرب لا تقول: نشر الموتى، وإنما تقول:
أنشر الله الموتى، فنشروا هم بمعنى: أحياهم فحيوا هم. ويدل على ذلك قوله: * (ثم إذا شاء أنشره) * وقوله: * (آلهة من الأرض هم ينشرون) *. وعلى أنه إذا أريد به حي الميت وعاش بعد مماته، قيل: نشر، وقول أعشى بني ثعلبة:
حتى يقول الناس مما رأوا * يا عجبا للميت الناشر وروي سماعا من العرب: كان به جرب فنشر، إذا عاد وحيي.
والقول في ذلك عندي أن معنى الانشار ومعنى الأنشاز متقاربان، لان معنى الأنشاز:
التركيب والاثبات ورد العظام من العظام وإعادتها لا شك أنه ردها إلى أماكنها ومواضعها من الجسد بعد مفارقتها إياها. فهما وإن اختلفا في اللفظ، فمتقاربا المعنى، وقد جاءت بالقراءة بهما الأمة مجيئا يقطع العذر ويوجب الحجة، فبأيهما قرأ القارئ فمصيب لانقياد معنييهما، ولا حجة توجب لإحداهما من القضاء بالصواب على الأخرى.
فإن ظن ظان أن الانشار إذا كان إحياء فهو بالصواب أولى، لان المأمور بالنظر إلى العظام وهي تنشر إنما أمر به ليرى عيانا ما أنكره بقوله: * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) *