بعد أن أحياه خلقا سويا، ثم أراد أن يحيي حماره، تعريفا منه تعالى ذكره له كيفية إحيائه القرية التي رآها خاوية على عروشها، فقال: * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) * مستنكرا إحياء الله إياها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: بعثه الله فقال: * (كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم) * إلى قوله:
* (ثم نكسوها لحما) * قال: فنظر إلى حماره يتصل بعض إلى بعض، وقد كان مات معه بالعروق والعصب، ثم كسا ذلك منه اللحم حتى استوى ثم جرى فيه الروح، فقام ينهق.
ونظر إلى عصيره وتينه، فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير. فلما عاين من قدرة الله ما عاين، قال: * (أعلم أن الله على كل شئ قدير) *.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم إن الله أحيى عزيرا، فقال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم. قال: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وانظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه، وانظر إلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما. فبعث الله ريحا، فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت به الطير والسباع، فاجتمعت، فركب بعضها في بعض وهو ينظر، فصار حمارا من عظام ليس له لحم ولا دم. ثم إن الله كسا العظام لحما ودما، فقام حمارا من لحم ودم وليس فيه روح. ثم أقبل ملك يمشي حتى أخذ بمنخر الحمار، فنفخ فيه فنهق الحمار، فقال:
أعلم أن الله على كل شئ قدير.
فتأويل الكلام على ما تأوله قائل هذا القول: وانظر إلى إحيائنا حمارك، وإلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما، ولنجعلك آية للناس. فيكون في قوله: * (وانظر إلى حمارك) * متروك من الكلام، استغني بدلالة ظاهره عليه من ذكره، وتكون الألف واللام في قوله: * (وانظر إلى العظام) * بدلا من الهاء المرادة في المعنى، لان معناه: وانظر إلى عظامه: يعني إلى عظام الحمار.
وقال آخرون منهم: بل قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن نفخ فيه الروح في عينه، قالوا: وهي أول عضو من أعضائه نفخ الله فيه الروح، وذلك بعد أن سواه خلقا سويا، وقبل أن يحيى حماره. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي