الدنيا، يخاف ويحزن ويشتد همه، لا يناله من ذلك شئ، كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا.
حدثنا الربيع، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الآية: * (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) *، * (ومن يعمل سوأ يجز به) * فقالت: ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله (ص)، فقال: يا عائشة، هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها، فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير.
وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال: إنها محكمة وليست بمنسوخة، وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر له ناف من كل وجوهه، وليس في قوله جل وعز: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله: * (أو تخفوه يحاسبكم به الله) * لان المحاسبة ليست بموجبة عقوبة، ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه، وقد أخبر الله عز وجل عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة، يقولون: * (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها، فلم تكن الكتب وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها بموجب إحصاؤها على أهل الايمان بالله ورسوله وأهل الطاعة له، أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين، لان الله عز وجل وعدهم العفو عن الصغائر باجتنابهم الكبائر، فقال في تنزيله:
* (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) * فدل أن محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم غير موجبة