لم يعمل أخذنا به؟ والله ما نملك الوسوسة! فنسخها الله بهذه الآية التي بعدها بقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فكان حديث النفس مما لم تطيقوا.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: نسختها قوله: * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) *.
وقال آخرون ممن قال معنى ذلك: الاعلام من الله عز وجل عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم، وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه. هذه الآية محكمة غير منسوخة، والله عز وجل محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أصروه في أنفسهم ونووه وأرادوه، فيغفره للمؤمنين، ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: * (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * فإنها لم تنسخ، ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة، يقول الله عز وجل: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله: * (يحاسبكم به الله) * يقول: يخبركم. وأما أهل الشك والريب، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب، وهو قوله: * (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * وهو قوله: * (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * من الشك والنفاق.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * فذلك سر عملكم وعلانيته، يحاسبكم به الله، فليس من عبد مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به، فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات، وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن، والله يرضى سر المؤمنين وعلانيتهم، وإن كان سوأ حدث به نفسه اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به، فإن هو عمل به تجاوز الله عنه، كما قال: * (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم) *.