والمؤمنون كلهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرق الكل منهم بين أحد من رسله، فيؤمن ببعض، ويكفر ببعض، ولكنهم يصدقون بجميعهم، ويقرون أن ما جاؤوا به كان من عند الله، وأنهم دعوا إلى الله وإلى طاعته، ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقروا بموسى وكذبوا عيسى، والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد (ص)، وجحدوا نبوته، ومن أشبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله، وأقروا ببعضه.) كما:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: * (لا نفرق بين أحد من رسله) * كما صنع القوم، يعني بني إسرائيل، قالوا: فلان نبي، وفلان ليس نبيا، وفلان نؤمن به، وفلان لا نؤمن به.
والقراءة التي لا نستجيز غيرها في ذلك عندنا بالنون: * (لا نفرق بين أحد من رسله) * لأنها القراءة التي قامت حجة بالنقل المستفيض الذي يمتنع معه التشاعر والتواطؤ والسهو والغلط، يعني ما وصفنا من يقولون: لا نفرق بين أحد من رسله. ولا يعترض بشاذ من القراءة على ما جاءت به الحجة نقلا ورواية.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) *.
(يعني بذلك جل ثناؤه: وقال الكل من المؤمنين: * (سمعنا) * قول ربنا، وأمره إيانا بما أمرنا به، ونهيه عما نهانا عنه، * (وأطعنا) *: يعني أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه، واستعبدنا به من طاعته، وسلمنا له: وقوله: * (غفرانك ربنا) * يعني: وقالوا غفرانك ربنا، بمعنى: اغفر لنا، ربنا غفرانك، كما يقال: سبحانك، بمعنى نسبحك سبحانك. وقد بينا فيما مضى أن الغفران والمغفرة: الستر من الله على ذنوب من غفر له، وصفحه له عن هتك ستره بها في الدنيا والآخرة، وعفوه عن العقوبة عليه. وأما قوله: * (وإليك المصير) * فإنه يعني جل ثناؤه أنهم قالوا: وإليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا فاغفر لنا ذنوبنا.) فإن قال لنا قائل: فما الذي نصب قوله: * (غفرانك) *؟ قيل له: وقوعه وهو مصدر موقع الامر، وكذلك تفعل العرب بالمصادر والأسماء إذا حلت محل الامر، وأدت عن معنى الامر نصبتها، فيقولون: شكرا لله يا فلان، وحمدا له، بمعنى: اشكر الله واحمده، والصلاة الصلاة: بمعنى صلوا. ويقولون في الأسماء: الله الله يا قوم. ولو رفع بمعنى هو الله، أو هذا الله ووجه إلى الخبر وفيه تأويل الآمر كان جائزا، كما قال الشاعر: