الاتحاد والإخلاص فيما بينهم على الصعيد العالمي، فلو كان هؤلاء يتمتعون بالوحدة والصدق فيما بينهم، لما عانوا طيلة تاريخ حياتهم من ذلك التشرد والضياع والتشتت والتعاسة.
وقد شرحنا قضية العداوة والبغضاء الدائمة بين أهل الكتاب بشئ من التفصيل عند تفسير الآية (14) من نفس هذه السورة.
وتشير الآية - في الختام - إلى المساعي والجهود التي كان يبذلها اليهود لتأجيج نيران الحروب، وعناية الله ولطفه بالمسلمين في انقاذهم من تلك النيران المدمرة الماحقة، فتقول كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله....
وتعتبر هذه الظاهرة إحدى معاجز حياة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن اليهود كانوا الأقوى بين أهل الحجاز والأعرف بمسائل الحرب، بالإضافة إلى ما كانوا يمتلكون من قلاع حصينة وخنادق منيعة، ناهيك عن قدرتهم المالية الكبيرة التي كانت لهم عونا في كل صراع بحيث أن قريشا كانوا يستمدون العون منهم، وكان الأوس، والخزرج يسعى كل منهما إلى التحالف معهم وكسب صداقتهم ونيل العون منهم في المجال العسكري، لكنهم فقدوا فجأة قدرتهم المتفوقة - هذه - وطويت صفحة جبروتهم دفعة واحدة، بشكل لم يكن متوقعا لديهم، فاضطر يهود بني النضير وبني قريظة وبني القينقاع إلى ترك ديارهم، كما استسلم نزلاء قلاع خيبر الحصينة وسكان فدك من اليهود خاضعين للمسلمين، وحتى أولئك الذين كانوا يقطنون في فيافي الحجاز منهم اضطروا إلى الخضوع أمام عظمة الإسلام، فهم بالإضافة إلى عجزهم عن نصرة المشركين اضطروا إلى ترك ميدان النزال والصراع.
ثم تبين الآية - أيضا - أن هؤلاء لا يكفون عن نثر بذور الفتنة والفساد في الأرض فتقول: ويسعون في الأرض فسادا... وتؤكد أيضا قائلة: والله لا يحب المفسدين.