أن أكثر الحقائق في هذا العالم تبقى خلف حجب الإبهام والغموض. تبرز في يوم القيامة بمقتضى قوله تعالى: وبرزوا لله الواحد القهار (1) وتنكشف هذه الحقائق وتنجلي للعيان.
ومن هنا يتضح لماذا جاء لفظ الميزان في الآية بصيغة الجمع: " الموازين " لأن أولياء الله الذين يوزن بهم الأعمال متعددون.
ثم إن هناك احتمالا آخر أيضا، وهو أن كل واحد منهم كان متميزا في صفة معينة، وعلى هذا يكون كل واحد منهم ميزانا للتقييم في إحدى الصفات والأعمال البشرية، وحيث أن أعمال البشر وصفاتهم مختلفة، لهذا يجب أن تكون المعايير والمقاييس متعددة.
ومن هنا أيضا يتضح أن ما جاء في بعض الروايات والأخبار، مثل ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث سألوه: ما معنى الميزان؟ قال: " العدل " لا ينافي ما ذكرناه، لأن أولياء الله، والرجال والنساء النموذجيين في هذا العالم هم مظاهر للعدل من حيث الفكر، والعدل من حيث العقيدة، والعدل من حيث الصفات والأعمال (تأملوا) (2).
ثم إنه تعالى يقول في المقطع الآخر من الآية: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم الصالحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون.
إن من البديهي أن المراد من الخفة والثقل في الموازين ليس هو خفة وثقل نفس الميزان، بل قيمة ووزن الأشياء التي توزن بواسطة تلك الموازين، وتقاس بتلك المقاييس.
ثم إن في التعبير بجملة " خسروا أنفسهم " إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة،