فكيف يمكن التوفيق والجمع بين تلك الآيات والآيات الحاضرة التي تثبت قضية المسألة يوم القيامة؟!
إن الإمعان في هذه الآيات كفيل بأن يكشف كل إبهام عنها، فإنه يستفاد من مجموع الآيات الواردة في مجال المسألة في يوم القيامة أن الناس يمرون في ذلك اليوم بمراحل مختلفة متنوعة، ففي بعض المراحل لا يسألون عن أي شئ مطلقا، بل يختم على أفواههم، وتتكلم أعضاؤهم وجوارحهم التي تحتفظ بآثار أعمالهم في نفسها، كشاهد حي لا يرد يروي أعمالهم بدقة متناهية.
وفي المرحلة الأخرى يرفع الختم عن أفواههم فيتحدثون ويسألون فيعترفون عند ذلك - بعد مشاهدة الحقائق التي انكشفت في ضوء شهادة الجوارح - بأعمالهم، تماما كالمجرم الذي لا يرى بدا من الاعتراف بجرمه عند مشاهدة الأدلة العينية.
وقد احتمل بعض المفسرين أيضا في تفسير هذه الآيات، أن الآيات النافية للسؤال إشارة إلى نفي المسألة الشفاهية، والآيات المثبتة إشارة إلى السؤال من الجوارح وهي تجيب بلسان الحال - مثل حمرة وجه الإنسان خجلا من انكشاف جرمه - بالحقائق.
وفي هذه الصورة يرتفع التنافي بين هاتين الطائفتين من الآيات.
في الآية اللاحقة - تكميلا لمبحث المعاد - يشير تعالى إلى قضية " وزن الأعمال " الذي جاء ذكره في السور القرآنية الأخرى مثل ما جاء في سورة " المؤمنون " في الآية (102 و 103) وسورة القارعة الآية (6 و 8).
فيقول أولا: إن وزن الأعمال يوم القيامة أمر واقع لا ريب فيه: والوزن يومئذ الحق (1).