هؤلاء وحدهم يفترون على الله مثل هذه الأكاذيب: كذلك كذب الذين من قبلهم (1) ولكنهم ذاقوا جزاء افتراءاتهم: حتى ذاقوا بأسنا.
فهؤلاء - في الحقيقة - كانوا يكذبون في كلامهم هذا، كما أنهم يكذبون الأنبياء، لأن الأنبياء الإلهيين نهوا البشرية - بصراحة - عن الوثنية والشرك وتحريم ما أحله الله، فلا آباؤهم سمعوا ذلك ولا هؤلاء، مع ذلك كيف يمكن أن نعتبر الله راضيا بهذه الأعمال؟... ولو كان سبحانه راضيا بهذه الأمور فكيف بعث أنبياءه للدعوة إلى التوحيد؟!
إن دعوة الأنبياء - في الأساس - أقوى دليل على حرية الإرادة الإنسانية، واختيار البشر.
ثم يقول سبحانه: قل لهم يا محمد: هل لكم برهان قاطع ومسلم على ما تدعونه؟ هاتوه إن كان قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا.
ثم يضيف في النهاية: إنكم ما تتبعونه ليس سوى أوهام وخيالات فجة: إن تتبعون إلا الظن وان أنتم إلا تخرصون.
وفي الآية اللاحقة يذكر دليلا آخر لإبطال ادعاء المشركين، ويقول: قل: إن الله أقام براهين جلية ودلائل واضحة وصحيحة على وحدانيته، وهكذا أقام أحكام الحلال والحرام سواء بواسطة أنبيائه أو بواسطة العقل، بحيث لم يبق أي عذر لمعتذر: قل فلله الحجة البالغة.
وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يدعي أحد أبدا أن الله أمضى - بسكوته - عقائدهم وأعمالهم الباطلة، وكذلك يسعهم قط أن يدعوا أنهم كانوا مجبورين، لأنهم لو كانوا مجبورين لكان إقامة الدليل والبرهان، وإرسال الأنبياء وتبليغهم ودعوتهم لغوا، إن إقامة الدليل دليل على حرية الإرادة.
على أنه يجب الانتباه إلى أن " الحجة " الذي هو من " حج " يعني القصد،