كان من جانب إسرائيل (يعقوب)، لأن يعقوب - كما جاء في الآية (93) من سورة آل عمران - لم يحكم بحرمة هذه الأشياء أبدا، وليس هذا سوى تهمة ألصقتها اليهود به.
* * * ولما كان عناد اليهود المشركين أمرا بينا، وكان من المحتمل أن يتصلبوا ويتمادوا في تكذيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمر الله تعالى نبيه في الآية الأخرى أنهم إن كذبوه يقول لهم: إن ربكم ذو رحمة واسعة فهو لا يسارع إلى عقوبتكم ومجازاتكم، بل يمهلكم لعلكم تؤوبون إليه، وترجعون عن معصيتكم، وتندمون من أفعالكم وتعودون إلى الله، فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة.
ولكن إذا أساؤوا فهم أو استخدام هذا الإمهال الإلهي، واستمروا في كيل التهم فيجب أن يعلموا أن عقاب الله إياهم حتمي لا مناص منه، وسوف يصيبهم غضبه في المآل: ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
إن هذه الآية تكشف - بوضوح - عن عظمة التعاليم القرآنية، فإنه بعد شرح وبيان كل هذه المخالفات التي ارتكبها اليهود والمشركون لا يعمد إلى التهديد بالعذاب فورا، بل يترك طريق الرجعة مفتوحا، وذلك بذكر عبارات تفيض بالحب مثل قوله: " ربكم " " ذو رحمة " " واسعة " أولا. حتى إذا كان هناك أدنى استعداد للرجوع والإنابة في نفوسهم شوقتهم هذه العبارات العاطفية على العودة إلى لطريق المستقيم.
ولكن حتى لا تبعث سعة الرحمة الإلهية هذه على التمادي في غيهم، وتتسبب في تزايد جرأتهم وطغيانهم، وحتى يكفوا على العناد واللجاج هددهم في آخر جملة من الآية بالعقوبة الحتمية.
* * *