وقد يكون ذلك إشارة إلى معنى أدق هو: أنه لم يبق من وجود هؤلاء الأفراد سوى شبح، أو قالب، أو مثال أو تمثال، لهم هياكل خالية من الروح وأدمغة معطلة عن العمل.
لابد من القول - أيضا - إن " النور " الذي يهدي المؤمنين جاء بصيغة المفرد، بينما " الظلمات " التي يعيش فيها الكافرون جاءت بصيغة الجمع، وذلك لأن الإيمان ليس سوى حقيقة واحدة، وهو يرمز إلى الوحدة والتوحيد، بينما الكفر وعدم الإيمان مدعاة للتشتت والتفرقة.
وفي الختام تشير الآية إلى سبب مصير هؤلاء المشؤوم فتقول: كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون.
سبق أن قلنا: إن من خصائص تكرار العمل القبيح أن قبحه يتضاءل في عين الفاعل حتى يبدو له أخيرا وكأنه عمل جميل، ويتحول إلى مثل القيد يشد أطرافه، ويمنعه من الخروج من هذا الفخ، إن مطالعة بسيطة لحال المجرمين تكشف لنا هذه الحقيقة بجلاء.
ولما كان بطل هذه المشاهد في جانبها السلبي هو " أبو جهل " الذي كان من كبار مشركي قريش ومكة، فالآية الثانية تشير إلى حال هؤلاء الزعماء الضالين وقادة الكفر والفساد، فتقول: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها.
كررنا القول من قبل: أن سبب نسبة أمثال هذه الأفعال إلى الله، لكونه تعالى هو علة العلل ومسبب الأسباب ومصدر كل القدرات، والانسان يستخدم ما وهبه الله من إمكانات طالحا كان هذا الفعل أم صالحا.
جملة " ليمكروا " تشير إلى عاقبة أعمالهم، ولا تعني الهدف من خلقهم (1) أي أنه عاقبة عصيانهم وكثرة ذنوبهم أدت بهم إلى أن يصبحوا سدا على طريق الحق،