إنما المقصود هو أن موجودات هذا العالم لم تكن موجودة من قبل، ثم وجدت، وليس في هذا ما يصعب فهمه، وقد ضربنا لذلك أمثلة في تفسير آية (117) من سورة البقرة، ونضيف هنا قائلين: إننا قادرون على أن نوجد في أذهاننا أشياء لم تكن فيها من قبل مطلقا، ولا شك أن لهذه الموجودات الذهنية نوعا من الوجود والكينونة، رغم أنه ليس وجودا خارجيا، ولكنها موجودة في أفق أذهاننا، وإذا كان وجود الشئ بعد العدم مستحيلا، فما الفرق بين الوجود الذهني والوجود الخارجي؟
وبناء على ذلك فإننا كما نستطيع أن نخلق في أذهاننا كائنات لم يكن لهم وجود من قبل، كذلك يفعل الله ذلك في العالم الخارجي، ان قليلا من التأمل في هذا المثال أو في الأمثلة التي ضربناها هناك كاف لحل هذه المسألة.
3 4 - ما معنى " اللطيف "؟
" اللطيف " من مادة " لطف " وقد وردت هذه الصفة في الآيات السابقة كاحدى الصفات الإلهية، واللطيف (1) إذا وصف به الجسم دل على الخفيف المضاد للثقيل، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة وعن تعاطي الأمور الدقيقة التي قد لا تدركها الحواس، ويصح أن يكون وصف الله تعالى باللطف على هذا الوجه لمعرفته بدقائق الأمور، ولخلقه أشياء دقيقة لطيفة غير مرئية، وتتسم أفعاله بالدقة المتناهية الخارجة عن قدرة الادراك.
يروي (الفتح بن يزيد الجرجاني) حديثا عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يعتبر معجزة علمية في هذا المجال يقول: قال الإمام (عليه السلام): "... إنما قلنا اللطيف، للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، أو لا ترى - وفقك الله وثبتك - إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف ومن الخلق اللطيف ومن الحيوان