على الرغم من أن الواقعة - التي ذكرت سببا لنزول الآيات الأخيرة - تحدثت عن شخصين هما (عبادة بن الصامت " و " عبد الله بن أبي " إلا أن مما لا شك فيه أن هذين الشخصين لا يشار إليهما باعتبارهما شخصيتين تاريخيتين - فحسب - بل لأنهما يمثلان مذهبين فكريين واجتماعيين. يدعو أحدهما إلى التخلي عن التعاون والتحالف مع الغرباء، وعدم تسليم زمام المسلمين بأيديهم، وعدم الثقة بتعاونهم.
والمذهب الآخر يرى أن كل انسان أو شعب في هذه الدنيا المليئة بالمشاكل والأهوال يحتاج إلى من يتكئ ويعتمد عليه، وأن الحاجة تدعو أحيانا إلى انتخاب الدعم والسند من بين الغرباء بحجة أن الصداقة معهم لا تخلو من قيمة وفائدة، ولابد أن تظهر ثمارها في يوم من الأيام.
وقد دحض القرآن الكريم رأي المذهب الثاني بشدة، وحذر المسلمين بصراحة من مغبة الوقوع والتورط في نتائج مثل هذا النوع من التفكير، لكن البعض من المسلمين - ومع الأسف - قد نسوا وتجاهلوا هذا الأمر القرآني العظيم، فانتخبوا من بين الغرباء والأجانب من يعتمدون عليهم، وقد أثبت التأريخ أن كثيرا من النكبات التي أصابت المسلمين تنبع من هذا الاتجاه الخاطئ!
وبلاد الأندلس تعتبر دليلا حيا وبارزا على هذا الأمر، وتظهر كيف أن المسلمين بالاعتماد على قواهم الذاتية - استطاعوا أن يبنوا أكثر الحضارات ازدهارا في الأندلس - أسبانيا اليوم - لكنهم نتيجة لاعتمادهم على قوى غريبة أجنبية فقدوا تلك المكتسبات العظيمة بكل سهولة.
والأمبراطورية العثمانية التي سرعان ما ذابت كذوبان الجليد في الصيف، تعتبر دليلا آخر على هذه الدعوى.
كما أن التأريخ المعاصر يشهد على ما أصاب المسلمين من خسائر ومصائب كبيرة بسبب انحرافهم عن رسالتهم واعتمادهم في كثير من الأمور على الأجانب