في الآية التالية ينهج إبراهيم منطقا استدلاليا آخر، فيقول لعبدة الأصنام:
كيف يمكنني أن أخشى الأصنام ويستولي علي الخوف من تهديدكم، مع إني لا أرى في أصنامكم أثرا للعقل والإدراك والشعور والقوة والعلم، أما أنتم فعلى الرغم من إيمانكم بوجود الله وإقراركم له بالعلم والقدرة، ومعرفتكم بأنه لم يأمركم بعبادة هذه الأصنام، فإنكم لا تخافون غضبه: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا (1).
إننا نعلم أن عبدة الأصنام لم يكونوا ينكرون وجود الله خالق السماوات والأرض، ولكنهم كانوا يشركون الأصنام في عبادته ويعتبرونها شفيعة لهم عنده، كونوا منصفين إذن وقولوا: فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون.
يستند منطق إبراهيم (عليه السلام) هنا إلى منطق العقل القائم على الواقع، إنكم تهددونني بغضب الأصنام، مع أن تأثيرها وهم من الأوهام، ولكنكم بعدم خشيتكم من الله العظيم الذي نؤمن به جميعا، ونعتقد بوجوب اتباع أمره تكونون قد تركتم أمرا ثابتا، وتمسكتم بأمر وهمي فهو لم يصدر إلينا أمرا بعبادة الأصنام.
في الآية التالية جواب يدلي به إبراهيم على سؤال كان هو قد ألقاه في الآية السابقة (وهذا أسلوب من أساليب الاستدلال العلمي، فقد يسأل المتكلم سؤالا عن لسان المخاطب ثم يبادر إلى الإجابة عليه مباشرة كدليل على أن الجواب من الوضوح بحيث ينبغي أن يعرفه كل شخص)، يقول: إن المؤمنين الذين لم يمزجوا إيمانهم بظلم، هم الآمنون وهم المهتدون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
ثمة رواية عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) تؤيد كون هذه الآية استكمالا لحوار