خاصة - يكون نابعا من أمر وجودي، أي أن يوجد الظلمة المطلقة في ظروف خاصة لهدف معين، لابد أن يكون قد استعمل لذلك وسائل وجودية، فإذا أردنا أن نجعل الغرفة مظلمة لتحميض صورة - مثلا - فعلينا أن نمنع النور لكي تحصل الظلمة في تلك اللحظة المعينة، وظلمة هذا شأنها ظلمة مخلوقة (مخلوقة بالتبع).
وإذا لم يكن (العدم المطلق) مخلوقا، فإن (العدم الخاص) له نصيب من الوجود، وهو مخلوق.
3 النور رمز الوحدة، والظلمة رمز التشتت:
الأمر الآخر الذي ينبغي الالتفات إليه هنا هو أن لفظة (نور) ترد في القرآن بصيغة المفرد، بينما الظلمة تأتي بصيغة الجمع (ظلمات).
وقد يكون هذا إشارة لطيفة إلى حقيقة كون الظلام (المادي والمعنوي) مصدرا دائما للتشتت والانفصال والتباعد، بينما النور رمز التوحد والتجمع.
طالما شاهدنا أننا في الليلة الصيفية الظلماء نوقد سراجا في فناء الدار، ثم لا تمضي إلا دقائق حتى نرى مختلف أنواع الحشرات تتجمع حول السراج مؤلفة تجمعا حيا حول النور، ولكننا إذا أطفأنا السراج تفرقت الحشرات كل إلى جهة، كذلك الحال في الشؤون المعنوية والاجتماعية. فنور العلم والقرآن والإيمان أساس الوحدة، وظلام الجهل والكفر والنفاق أساس التفرق والتشتت.
قلنا: إن هذه السورة تسعى إلى لفت نظر الإنسان إلى العالم الكبير لتثبيت قواعد عبادة الله والتوحيد في القلوب، توجه نظره أولا إلى العالم الكبير، والآية التالية تلفت نظره إلى العالم الصغير (الإنسان) فتشير إلى أعجب أمر، وهو خلقه من الطين فتقول هو الذي خلقكم من طين.
صحيح أننا ولدنا من أبوينا، لا من الطين، ولكن بما أن خلق الإنسان الأول كان من الطين، فيصح أن نخاطب نحن أيضا على أننا مخلوقين من الطين.
وتستمر السورة فتشير إلى مراحل تكامل عمر الإنسان فتقول: إن الله بعد ذلك عين مدة يقضها الإنسان على هذه الأرض للنمو والتكامل: ثم قضى أجلا.