أثيرت ضد المسلمين كان لليهود ضلع فيها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولم يتورعوا عن التوسل بأية وسيلة للتآمر، وقليل منهم اعتنق الإسلام، ولكننا قلما نجد المسلمين يواجهون المسيحيين في غزواتهم، كما أن الكثيرين منهم التحقوا بصفوف المسلمين.
ثم يعزوا القرآن هذا الاختلاف في السلوك الفردي والاجتماعي إلى وجود خصائص في المسيحيين المعاصرين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن موجودة في اليهود:
فأولا كان بينهم نفر من العلماء لم يسعوا - كما فعل علماء اليهود - إلى إخفاء الحقائق ذلك بأن منهم قسيسين (1).
ثم كان منهم جمع من الزهاد الذين تركوا الدنيا، وهي النقطة المناقضة لما كان يفعله بخلاء اليهود الجشعين.
وعلى الرغم من كل انحرافاتهم كانوا على مستوى أرفع بكثير من مستوى اليهود: " ورهبانا ".
وكثير منهم كانوا يخضعون للحق، ولم يتكبروا، في حين كان معظم اليهود يرون أنهم عنصر أرفع، فرفضوا قبول الإسلام الذي لم يأت على يد عنصر يهودي: وإنهم لا يستكبرون.
ثم إن نفرا منهم كانوا إذا استمعوا لآيات من القرآن تنحدر دموعهم مثل من صحب جعفر من الأحباش لأنهم يعرفون الحق إذا سمعوه: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق.
فكانوا ينادون بكل صراحة وشجاعة، ويقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.
لقد كان تأثرهم بالآيات القرآنية من الشدة بحيث أنهم كانوا يقولون: وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين.