كما أن علماء اليهود ووجهائهم ومفكريهم المؤمنين الأتقياء، كانوا يحكمون وفق هذا الكتاب السماوي الذي وصل أمانة بأيديهم وكانوا شهودا عليه، حيث تقول الآية: والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. (1) ثم توجه الآية الخطاب إلى أولئك العلماء والمفكرين من اليهود الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر، فتطلب منهم أن لا يخافوا الناس لدى بيان أحكام الله، بل عليهم أن يخافوا الله، فلا تسول لهم أنفسهم مخالفة أوامره أو كتمان الحق، وإن فعلوا ذلك فسيلقون الجزاء والعقاب، فتقول الآية هنا: فلا تخشوا الناس واخشون.
ثم تحذر الآية من الاستهانة والاستخفاف بآيات الله، فتقول: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا....
وحقيقة كتمان الحق وأحكام الله نابعة إما عن الخوف من الناس، وإما بدافع المصلحة الشخصية، وأيا كان السبب فهو دليل على ضعف الإيمان وانحطاط الشخصية، وقد أشير في الجمل القرآنية أعلاه إلى هذين السببين.
وتصدر الآية حكما صارما وحازما على مثل هؤلاء الأفراد الذين يحكمون خلافا لما أنزل الله فتقول: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.
وواضح أن عدم الحكم بما أنزل الله يشمل السكوت والابتعاد عن حكم الله الذي يؤدي بالناس إلى الضلال، كما يشمل التحدث بخلاف حكم الله.
وواضح - أيضا - أن للكفر مراتب ودرجات مختلفة، تبدأ من إنكار أساس وجود الله ويشمل عصيان أوامره، لأن الإيمان الكامل يدعو ويحث الإنسان على